12 نوفمبر 2025

تسجيل

انهيار مجلس التعاون!

19 يوليو 2017

مع أننا نؤمن بأن مجلس التعاون هو القدر الجميل لشعوب ودول منطقة الخليج العربي، وأنه الملاذ الآمن في المُلمات والخطوب، إلا أن "تغيّبَ" المجلس في قضية حصار دولة قطر شكّلَ انعطافة سلبية في مسيرة هذا المجلس الذي (ياما تغنينا بدوره) واحتفلنا كل ديسمبر بعَقد دورة جديدة لقادته على طريق البناء والأمن والرخاء لشعوب المجلس. وللأسف، فما حدث منذ الخامس من يونيو الماضي وحتى اليوم يدعونا لليأس من عودة الروح الوثابة إلى هذا المجلس، لأن لغة الخطاب الإعلامي، ولهجة وزراء الخارجية في دول الحصار، قد خالفت كل أبجديات العمل المشترك (المادة الرابعة من النظام الأساسي)، بل غاب دورُ المجلس بغياب أمينه العام معالي الدكتور عبد اللطيف الزياني، الذي كان يُطلُّ على الإعلام في كل شاردة وواردة تحدث في الدول الأعضاءّ! ولا أعلم إن كان قد تلقى أمرَ إلغاءِ عضوية دولة قطر في المجلس؟ لأنه يحق لنا كمواطنين قطريين أن يحمينا مجلس التعاون، ولابد أن نُحاسبه إن قصّرَ في أداءِ دوره المأمول والمكتوب في النظام الأساسي!؟ كما أن الأمين العام ومساعديه وموظفي الأمانة العامة يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية حسب الاتفاقيات الدولية، وهم يعملون للصالح المشترك للدول الأعضاء كما تقول أدبيات المجلس. فأين الأمانة العامة مما حدث؟! وهل تراسلَ الأمين العام مع الدول الأعضاء (خصوصًا دول الحصار) في قضية "الخروج" الإعلامي السافر عن القيم الواردة في (ميثاق الشرف الإعلامي) الذي وضعته الأمانة العامة كدليل استرشادي للعمل الإعلامي في الدول الأعضاء! وهل رفع الأمين العام الهاتفَ لمخاطبة وزراء الإعلام في الدول المُحاصِرة الثلاث، كي يوضح لهم أن الخطاب الإعلامي في دولهم يتناقض مع المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس؟! كما أننا توقعنا أن يكون للأمين العام دورًا الوقوف مع الجهود الكويتية المُقدَّرة التي اضطلع بها سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت -حفظه الله- كما كان على الأمانة العامة تفعيل هيئة تسوية المنازعات، وما حصل من حصار على دولة قطر هو أحد أوجه النزاعات التي وردت في المادة 3 من النظام الأساسي لهيئة تسوية المنازعات. نحن لسنا ضد الأمين العام لمجلس التعاون، ونُكن له كل احترام وتقدير، لكننا نستغرب من موقف الأمانة العامة وهي ترى المجلس تُطيّحُ به الأزمة الراهنة، دون أن نشهد تحريكَ ساكن، علمًا بأنه يوجد الكثير من المستشارين (أصحاب الدرجات الرفيعة) في الأمانة العامة، فأين رؤاهم تجاه ما حدث؟ بل لماذا لم يَدع الأمينُ العام الهيئة الاستشارية وهي تضم مجموعة من (النخب الخليجية)، كي تقول رأيها في الموضوع؟ نرجو ألا نكون متشائمين من مستقبل مجلس التعاون، ولكن مع الأيام، نشهد ترديًا في الفعل وفي ردة الفعل، ونرى أن الظلم الذي وقع على دولة قطر، ما كان ليتسعَ لهذا الحد، الذي يشطر العائلة الخليجية الواحدة، ويحرم الطلبة من مواصلة دراستهم، ويضر بالمصالح الاقتصادية للأفراد الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الأزمة. والمجلس قد سعى منذ إنشائه عام 1981 إلى توحيد القوانين وتسهيل شؤون الأفراد ضمن الاتفاقية الاقتصادية. فأين حقوق سمّاكي عُمان؟ وأين حقوق أصحاب الحلال والمزارع القطريين في المملكة العربية السعودية؟ وأين حقوق عابري معبر سلوى الذين يقطعون مئات الكيلومترات نحو قطر، ثم يتم إرجاعهم في (أبو سمرة) بعد أن رتَّبوا أمورهم وتحمَّلوا تكاليف سفرهم. لقد حلّت كارثة اجتماعية مسّت مشاعرَ أهل الخليج كلهم، تمامًا كما أنها شرخت التوجهات الوحدوية السياسية. تلك الكارثة التي لم تكن لتأتي في يوم وليلة، بل خُطط لها منذ زمن، وتكشف لنا حوادث الأيام تباعًا أن مضايقات دولة قطر من الأشقاء بدأت منذ العام 1996، وكان الحصار غير المُبرر أحد الأدوات البارزة في تصدّع العلاقات في مجلس التعاون. ويمكننا القول دونما مواربة إن النيات لم تكن صافية ولا صادقة، وأن عشرين عامًا من عمر المجلس شابتهُ المجاملات و"حب خشوم"، وابتسامات للكاميرات، بينما تستعر القلوبُ بالضغائن والأحقاد على دولة من حقها أن تُهيئ لشعبها أساسيات الحياة الهانئة، وأن تقابلَ العالم بوجه واحد. لذا كانت العلاقات قد تدهورت تحت الطاولة، بينما يصدح الإعلام بالوحدة والمصير المشترك. لقد لعبت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إبان محنة غزو الكويت عام 1990 دورًا مهمًا ضمن اختصاصاتها، وكان للأمين العام دور واضح، ولزملائه في الأمانة العامة أيضًا دور مشهود خصوصًا في مجال الإعلام وإسماع صوت الحق الكويتي للعالم، بل وفي الفعاليات الكويتية التي أُقيمت في عواصم العالم، ولكن في أزمة حصار قطر، خبا صوت الأمانة العامة، وتحجّم دورها، بل لم يظهر أمين عام التعاون خلال الأزمة كلها، والتي اقتربت الآن من الشهرين. نحن نعتقد أن ما حصل من مطالبات، وحصار، وشروط من قبل دول الحصار، إضافة إلى الإعلام الذي قطّع أوصال هذا المجلس، قد أحرق كل المراكب التي يمكن أن تعيد هذا المجلس لأهله الشرعيين، وقضى على كل أمل في ألاَ ينهار مجلس التعاون.