06 نوفمبر 2025
تسجيلحسناً فعلت غيرة بعض اللبنانيين برمزية إطلاق صواريخ على فلسطين المحتلة تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يجلد بصمت الحكام العرب وبمبادرات تخرج من عواصم الجوار على أنها صناعة عربية تعتصر ألماً على الدم الفلسطيني المسفوك. وهي في الحقيقة أقرب إلى تلبية رغبات وطلبات عبرية منها إلى الحد الأدنى من حقوق أهل غزة لاسيَّما وأن نظماً عربية تساوي نفسها بغيرها من دول العالم فتتهرب من مسؤولياتها الدينية والقومية والأخلاقية فتدعو الأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتاها في حماية الفلسطينيين دون أن تسال نفسها ماذا قدمت هي لأبنائها في غزة ممن يتحملون القتل والتشريد.وإطلاق الصورايخ من لبنان على فلسطين المحتلة له كلفته الداخلية. وقد رحب بها بعض ورفضها بعض آخر، خوفا على بلد يعاني أزمات مزمنة إلا أن الجميع شعر أن الفعل بحد ذاته يعكس حالة الامتعاض والشعور العميق بعذاب الضمير عند عموم الشعب اللبناني أن يبقى متفرجاً على المذبحة التي تقيمها إسرائيل ولا يحرك ساكنا لإخوانه وهو الذي ذاق الويلات من الاحتلال الإسرائيلي لسنوات طويلة.وحسناً فعلت غيرة بعض اللبنانيين الذين عقدوا مؤتمرات وأقاموا نشاطات ثقافية لدعم الصمود الفلسطيني في وقت تتحور فيه المفاهيم، فيصبح المقاوم الرافض عميلا خسيسا ويصل الصلف والفجور والخساسة بكاتب صحافي يوجه التحية لنتنياهو على ضرب الإرهاب في غزة.. وآخر يقول إن ما تقوم به إسرائيل عملية تنظيف سريعة من الجراثيم. وهؤلاء المتصيهنون العرب وأن كانوا قلة إلا انهم يحظون بمساحات لا بأس بها في وسائل إعلام عربية.. وبعضهم كتاب أعمدة أو محللون على شاشات التفلزة، وهم أن كانوا قلة إلا انهم أبواق لجهات نافذة، همّها تقنين سياسات الإفلاس والسرقة والاحتيال على الشعوب ونهب خيراتها وجلد كل رافض، ولا تأبه للتحالف مع عدو دائم طالما أن مصالحها الضيقة والآنية تتفق مع صلفه وفجوره. ويزيد الأمر مأساوية اصطفاف طوابير "علماء السوء" خلفهم يباركون الإجرام دون أي وازع ديني أو حساب ضمير. وفي الوقت الذي تقاوم فيه غزة رفضا لكل سياسات القتل والتهجير والحصار والتآمر من عرب وعجم مؤكدة على حقها في الحياة والعيش الكريم مهما نعق الناعقون أو تمادى صهاينة عرب مروجين لسياسات الخزي والعار وتبرئة الذئب وجلد الضحية. وفي الوقت الذي يناضل فيه الشعب اللبناني ويشعر بألم إخوانه في غزة تقف الطبقة السياسية اللبنانية عاجزة عن القيام بمسؤولياتها.. فمنصب رئاسة الجمهورية شاغراً منذ الخامس والعشرين من مايو الفائت.واليوم لم يعد الحديث قائما عن انتخاب رئيس بل بدأ الترويج لتمديد ثاني لمجلس النواب المنتهية ولايته منذ عدة شهور.. حالة من الإفلاس السياسي تعيشها البلاد وجميع الكتل والأطياف السياسية تتهم بعضها البعض بما وصلت إليه الأمور. والشواغر الدستورية كما تبدو حاليا هي تعكس واقعاً سياسيا مترديا ومترهلا لا شك أن من أنتجه هي هذه الطبقة السياسية بكل تلاوينها التي تقف عاجزة عن اتخاذ أي قرار دون توجيه خارجي. إذ أن هامش حرية التحرك لديها صفر بعد أن أضحت مسلوبة الإرادة تماما. كما أن العمل وفق مقتضيات الوحدة الوطنية البحتة أمر شبه غائب من قاموس قياداتها الذين دائما ما يبررون سياساتهم بذريعة حماية لبنان وهويته ومقدراته من الاستلاب لمشاريع دولية وإقليمية مشبوهة.والتدخلات الخارجية لم تسمح تاريخيا بوجود مؤسسات دولة قوية. وحساباتها غالباً ما كانت تتعدى الملف اللبناني إلى ملفات أخرى في المنطقة. وأن كل المساعي الجادة التي قامت بها قيادات سياسية وطنية لحماية لبنان من لعبة المحاور الإقليمية باءت جميعها بالفشل مع رحيل هذه الزعامات التاريخية والتي قضى أغلبها باغتيال جسدي أو معنوي. والحلول المقدمة لتفكيك الأزمات كانت تكرس عن عمد في غالب الأحيان النمط الطائفي، وتعزز الفرز بين الشعب اللبناني على أسس دينية ومذهبية ومناطقية. قد لا تكون المشكلة بتنصيب رئيس أو انتخاب برلمان جديد، فغالبا ما تبقى الأمور على ما هي عليه ولا يتغير شيء في المشهد السياسي ولا في حياة اللبنانيين.. لكن سياسة الاستسلام التي ابتلي بها الشعب اللبناني وصلت إلى مستويات خطيرة.. لبنان اليوم يتفكك سياسيا وطبقته السياسية تخنق الهواء الذي يتنفسه الشعب في سبيل تحقيق مصالح ضيقة هي أقل بكثير من مصلحة الوطن مهما ادعى هؤلاء بأنهم وطنيون أو أرادوا أن يلبّسوا على شعوبهم واقع ما هم فيه.