05 نوفمبر 2025
تسجيلللمرة الأولى لن أفرد ترويدتي الأسبوعية للشأن الفلسطيني، فمنذ أن بدأتُ الكتابة في زاوية المقالات بـ»جريدة الشرق» سخَرت قلمي لفلسطين وقضيتها انحيازاً لعدالتها، وتكفيراً عن قلة حيلتي في ظل معاناة سكان غزة الذين ذاقوا الويلات ولا يزالون يتجرعون مرارة خذلان أمة بـــأكملها.. وانطلاقا من ديني وعروبتي وإنسانيتي كان من المهم الحديث عن الحرب الأهلية الدائرة في السودان التي اشتعل فتيلها في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في ظل عالم متخاذل يُمارس دوره ببراعة في الاكتفاء بالإدانة والشجب والاستنكار، والدخول في سجالات ونقاشات عقيمة لإثبات من هو الجاني؟ ومن هو المجني عليه؟، والأهداف الحقيقية لهذه الحرب المستعرة منذ أكثر من عام؟. * لكنني هُنا ليست بهدف التحليل أو الانحياز إلى جانب ضد آخر، أو إثبات من هو الجاني، ومن هو المجني عليه، فقد تركت مداد قلمي ينحاز إلى صوت الضمير الإنساني في نقل جزء يسير مما تتعرض له حرائر السودان.. ففي الحروب أكثر ما يُخشى عليه هو الاعتداء على النساء واغتصابهن، وهذه الجرائم باتت بالجملة في هذه الحرب، فبالصدفة استوقفتني شهادة لصحفي سوداني يدعى ناجي الكرشابي وهو يسرد قصصا لفتيات سودانيات تعرضن للاغتصاب، وقصة أم أجبرتها المليشيات على تحضير الطعام لمن قاموا باغتصاب بناتها الأربع!، حيث كان بادياً عليه الحِمل الذي وضعه على أكتافه للحديث عما تواجهه السودانيات في هذه الحرب وسط التعتيم الإعلامي والعزلة العالمية عن هذه القضية، وكانت ملامحه تتساءل لماذا هذا يحدث في وطني؟ كيف لأبناء الجلدة الواحدة أن يفعلوا هكذا؟، أين هي النخوة ؟!، وهو ينقل شهادة لإحدى الفتيات السودانيات وكيف تناوب على اغتصابها ما لا يقل عن عشرة رجال من مليشيات قوات الدعم السريع من بينهم أبناء جيران لأسرتها، فيختنق بدموعه التي يحاول كبحها طيلة المقابلة، فلم يستطع المكابرة حتى قُطع التصوير، فيعود مكملاً شهادته نقلا عن الفتاة، دون أن يصدق كيف واجهت هذه الفتاة خساسة الموقف وبشاعته، وهو يحاول أن يستحضر كل قواه لينقل فقط ما عاشته هذه الفتاة، وهو يتملكه شعور العاجز أمام حال هذه الفتاة والمئات من مثيلاتها اللاتي هُتكت أعراضهن من أبناء جلدتهن! ومع رجال يقتسمون معهم الدين والتاريخ والجغرافيا بل اللون والاسم والكنية في بعض الأحيان، فحمله ثقيل أمام أحد أبشع وأعنف الحوادث المرتكبة ضد المدنيين ولاسيما النساء. * تقرير واحد صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان نسب 70 % من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين من المليشيا، فيما ذكر تقرير «لحملة معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي» وهي حملة قامت بها مجموعة من منظمات المجتمع المدني، والذي أُجري في الفترة من 15 أبريل وحتى 31 ديسمبر 2023، أنه تم توثيق 189 حالة منتشرة عبر 6 ولايات، وعدد الضحايا 185 أنثى و4 ذكور، وتتراوح أعمار الضحايا بين 11 و45 عاما، كما تبلغ نسبة الأطفال منهم 46 %، ونسبة الشبان والشابات (18-34) 42 %، كما أوضح المشرفون على الحملة أن العينة تتضمن فقط حوادث في ست ولايات، حتى تحولت الخرطوم إلى مدينة تفوح منها رائحة الموت بسبب امتلائها بالجثث والمقابر الجماعية. * ختاماً.... مع تواصل الحرب في السودان واتساع نطاقها، تزيد احتمالات وقوع المزيد من حالات العنف الجنسي والاغتصاب، وفي هذه الحالات لا يقف هنا، بل الضحايا والناجيات يواجهن واقعاً أسود لا يرحمهن ومستقبلاً ضبابيا لا يتقبلهن نتيجة تبعات حوادث الاغتصاب التي تعرضن لها، فيصبحن أسيرات الألم الجسدي والأثر النفسي، فضلاً عن مواجهة الوصمة في مجتمع لا يرحم، ما زال ينظر لضحايا الاغتصاب نظرة شك، خاصة إذا أنجبت إحداهن طفلا جراء الجريمة، مما يجعل أغلبهن يفكرن في الانتحار أو الهروب بعيداً تحاشياً لنظرة المجتمع لهن ولأسرهن، والسؤال الحاضر دوما في القضايا المتعلقة بالمرأة، أين هي المنظمات النسوية لتسليط الضوء على هذه الجريمة؟ أم أنَّ شاغل هذه المنظمات هو البحث في طرق تشويه فطرة بناتنا ليتمردن على الدين والأخلاق والأعراف فقط ؟!.