09 نوفمبر 2025
تسجيلأشفق كثيراً على زعمائنا وقادتنا لسبب بسيط وهو عدم وجود حياة حقيقية لهم بعد غياب السلطة عنهم؛ وحتى وإن وجدت فهي حياة أقرب إلى الموت منها إلى الحياة. فالإفراز التاريخي لأمتنا في هذا الخصوص لا يخرج عن موت القائد أو الزعيم أو إبعاده قسراً وغيابه في المنفى، وفي بعض الحالات التخلص منه ومن مرحلته بأي طريقة كانت إذا ما تم استثناء الحالة اللبنانية، فهذه المخرجات هي ما استوطنت عليه أمتنا. ولو استعرضنا الوطن العربي من الخليج إلى المحيط نجد أن هذه هي شروط انتقال السلطة؛ وإن تلاشت بعضها مثل الاغتيالات، وبقي المراهنة على الموت لتداول السلطة؛ وإن كانت وراثية لسوء الحظ، في حين يدرك الغير أن الحياة ليست هي السلطة، وإنما هي ما بعد السلطة، السلطة المنجزة، السلطة المقيدة، السلطة المحترمة لنفسها ولمن أتى بها وفوضها. فها هو الرئيس الأمريكي السابق كلينتون مثلاً أصبح محاضراً في العديد من الجامعات، وتعاقد مع جامعة أكسفورد فى وقت سابق للتدريس فيها بعد خروجه من السلطة في البيت الأبيض بوقت قصير، وقبله انتقل بوش الأب إلى إدارة أعماله في تكساس بعد سنوات حامية في البيت الأبيض، وبوش الابن يكتب مذكراته في مزرعته في تكساس، وأوباما أيضا محاضراً وأستاذاً للقانون الدستوري ، وشيراك نَعم بحياة تقاعدية تأملية، وغيرهم كثيرون في أوروبا وحتى في غيرها في آسيا مهاتير محمد الذي عاد مؤخراً بعد تفرغ وبُعد السلطة وربما غيره ممن مارسوا حياتهم باستمتاع كبير بعد سنوات السلطة والزعامة. فالسلطة هناك فترة مرحلية تتبعها فترات من النضج والتأمل ولكنها عندنا نهاية المطاف وغاية المنى. وغالباً ما يخيب الظن في النهاية فإذا بها كارثية. مثل هذه الحالة النكوصية التي يعاني منها وطننا العربي الكبير ولا تشاركه فيها سوى دول أفريقيا المتخلفة وبعض دول آسيا المأزومة. هذه الحالة التي يندفع فيها الشعب والجيش في أغلب الأحيان ليمارس صلاحياته تحت مسمى استشراء الفساد؛ دونما خطة أو برنامج، لا تمثل حلاً ناجعاً للإشكال، حيث لا آلية واضحة لممارسة العمل السياسي، فإذا بالفساد يعود من جديد وبثوب آخر. ولو استعرضنا وطننا الكبير؛ بلداً بلداً وتساءلنا عن السلف فهو بلا شك يقع بين تلك الإفرازات التي أشرت إليها سابقاً « فيما عدا لبنان « فك الله كربته. ولو تساءلنا أكثر عن المستقبل أي ما بعد الزعيم أو القائد الحالي فليس هناك جواب وإنما الأمر متروك للقدر فهو بالتالي لا يخرج عن تلك الإفرازات أيضاً الموت أو الإبعاد أو الاغتيال. إن مأساة الأمة ومكمن أمراضها يتمثلان في الاستبداد، فلا مخرج لها من دون التعامل مع هذا الداء حيث لا إصلاح للتربية، ولا إصلاح للثقافة، ولا وجود حقيقي للتنمية دونما البدء بمعالجة الاستبداد الذي يجعل من السلطة نهاية المطاف وليست مرحلة يبنى عليها وترتكز عليها خطوات أخرى. لقد هُزمت الأمة من جراء هذا الاستبداد ونزفت أموالها إلى العدو واقتصاداته الموالية بسببه ولسبب حب السلطة أو جعلها نهاية المطاف، فلا يحتمل عربي أن ينزل من السلطة ليعامل بعد ذلك كإنسان أو مواطن عادي، وهذه في حد ذاتها إشكالية ثقافية عانينا منها منذ القِدم. فالعربي في السلطة إما ضعيف فيؤكل، وإما قوي فيستبد ويبطش، ولا يوجد خط وسط، ولا توجد آلية تقلل من جميع خيوط السلطة في يد الفرد، ولا توجد آلية كذلك تجعل من اتخاذ القرار السياسي المصيري والذي يتعلق بمصير الأمة أكثر تعقيداً. والآن ألا توافقون معي، أن الزعامة العربية والقيادة العربية، تدعو إلى الشفقة والعطف فهي في أحسن أحوالها يلحقها النقد اللاذع بعد مماتها، وفي أسوأ أحوالها تُسحل في الشوارع العامة، كما جرى في انقلابات الستينيات من القرن الماضي، في حين أن الحياة تبدأ بعد الخروج منها لدى قوم آخرين وتبدأ مرحلة من التأمل والنقد الذاتي والمشاركة في الحياة العامة. هذه المفارقة هي ما تجعل أولئك يتقدمون برغم ظلمهم السياسي في بعض الأحيان، وهي ما تجعل منا في الحضيض برغم صدق مطالبنا التاريخية، ولكننا نفشل دائماً في إعطاء النماذج والبراهين الدالة على هذا الصدق وتلك الحقيقة. وبما أن لكل قاعدة استثناء وعلى أمل أن يكون هذا الاستثناء هو القاعدة فيما يتعلق بهذا الخصوص بالذات فإن «سوار الذهب بالذات» دخل التاريخ من أوسع أبوابه وكانت السلطة بالنسبة له وسيلة لحياة أفضل( ويكفيه احترام المواطن العربي له طواعية دونما خوف أو زجر) ولم تكن أبدا هي الحياة كما يبدو لغيره. [email protected]