08 نوفمبر 2025

تسجيل

النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط

19 مايو 2024

من الصعب دائماً وصف التطورات والاتجاهات الاقتصادية في منطقة كبيرة تضم العديد من الدول، وتتميز بالتنوع الاجتماعي والاقتصادي، ولا تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثناءً من هذه القاعدة، حيث تمتد على مساحة جغرافية واسعة، من المغرب إلى العراق ودول الخليج. وكانت هذه المنطقة محور تركيز تقرير جديد صدر مؤخراً عن البنك الدولي. وكان هناك دائماً اختلاف كبير من حيث الوضع الاقتصادي بين الدول المصدرة للنفط التي تقع معظمها في منطقة الخليج العربي، والدول المستوردة للنفط. ومع ذلك، يشير البنك الدولي إلى أن معدل النمو والنمو المتوقع لم يعد يتباين بشكل كبير بين تلك الدول. ويتوقع التقرير حدوث نمو سنوي بنسبة 2.8 % في الدول المصدرة للنفط، ونسبة 2.5 % في الدول الأخرى المستوردة له. ويشير التقرير إلى أن هذه الأرقام تبدو أقل من التقديرات المتوقعة في بقية دول العالم، ولكنها أرقام جيدة إلى حد معقول في ضوء أسعار الفائدة المرتفعة والصراع الدائر في المنطقة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتمتع بعض الاقتصادات التي لا تعتمد على النفط، مثل المغرب ومصر، بقطاع خاص نشط. وقد تأثرت مصر بارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملة في السنوات الأخيرة، ولكنها تلقت استثمارات ضخمة من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وهو ما ساعد على استقرار الاقتصاد وتوفير الظروف الملائمة للنمو. وتُعدُ عائدات النفط المرتفعة نعمة ونقمة في الوقت نفسه، حيث تسهل هذه العائدات من عملية تمويل القطاع العام وتساعد في تجنب أزمة الديون، ولكنها تصعب الجهود الرامية لبناء اقتصاد إنتاجي متنوع ومتوازن والحفاظ عليه. ينتقد البنك الاتجاه المتصاعد في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة. وهذا أمر متوقع، ولكن قد يكون من الحكمة في البلدان المصدرة للنفط التي تكون فيها الدولة طرفاً اقتصادياً رئيسياً، أن تقترض الدولة في بعض الأحيان للمساعدة في تعزيز القطاع الخاص وتطويره على وجه التحديد، وهو ما يساهم في بناء اقتصاد أكثر توازناً. ويجب موازنة هذا التوجه مع ظاهرة «مزاحمة» استثمارات القطاع الخاص من خلال ارتفاع نفقات القطاع العام، وهو ما يشير إليه تقرير البنك الدولي. ومع ذلك، فقد نجحت دول الخليج في خفض مستويات الديون. ويرتبط ارتفاع الديون بزيادة التكاليف والتحديات وثيقة الصلة بها. ومع ارتفاع الديون، ترتفع كذلك نسبة مدفوعات الفوائد من النفقات العامة. وقد أشار التقرير الصادر عن البنك الدولي إلى أن مستويات الديون كانت مرتفعة في المنطقة حتى قبل تفشي جائحة كورونا. وقد سعت العديد من بلدان المنطقة جاهدةً لخفض نسبة الدين قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي، لعدة أسباب. وقد خلص البنك الدولي إلى أن الآمال المتعلقة بإمكانية خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي أو خفض معدل التضخم أو كليهما معاً كانت مجرد «سراب» في الدول غير المصدرة للنفط. ومن الناحية العملية، تزامنت فترات النمو أو التضخم الأعلى على مدى العقد الماضي مع تراكم أسرع للديون. ففي مقابل كل انخفاض إضافي بمقدار نقطة مئوية في نسبة الدين قياساً إلى الناتج المحلي الإجمالي بفعل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، يقابل نصفه تقريباً زيادةً في أرصدة الديون الاسمية. ويلوح في الأفق خطر تصعيد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وأشار التقرير إلى مقياس بديل لعدم اليقين، وهو مستوى الخلاف بين المتنبئين الاقتصاديين. فقد بلغ تشتت التوقعات بشكل عام ذروته في عام 2020، في ذروة تفشي جائحة كوفيد - 19، قبل أن يتراجع منذ ذلك الحين. وفي عام 2024، سيكون هناك تشتت أكبر للتوقعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنةً ببقية العالم، وهو أمر متوقع ليس فقط نظراً للصراع المستمر في المنطقة ولكن أيضاً بسبب ديناميكياته التي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، والتي تتناوب بين التصعيد والتهدئة. ومن المتوقع أن يشعر خبراء الاقتصاد في البنك الدولي بالقلق إزاء مستويات الدين الوطني، وتبدو النقاط المطروحة في التقرير وثيقة الصلة بالموضوع. وهناك أسباب تدعو إلى التفاؤل بشأن الاقتصادات شديدة التنوع والمثيرة للاهتمام في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لا سيَّما إذا كان من الممكن احتواء الصراع وإنهاؤه في نهاية المطاف.