04 نوفمبر 2025

تسجيل

أفغانستان والغرب من يحتاج للآخر؟

19 مارس 2024

‏في أغسطس/ آب المقبل سيحتفل الأفغان بالذكرى السنوية الثالثة لرحيل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت رأس الحربة، وربما معظم الحربة في احتلال أفغانستان، هذا الاحتلال الذي استمر منذ عام 2001، وحتى عام 2021، دفعت القوات الأمريكية خلاله ثمناً باهظاً في الأرواح والمعدات والأموال، فتجاوزت بحسب وثائق سابقة للواشنطن بوست الثلاثة ترليونات من الدولارات، فضلاً عن اهتزاز هيبتها أمام العالم، حين تمكنت قوة أفغانية محلية ممثلة بحركة طالبان الأفغانية، عارية من أي دعم أجنبي بهزيمتها وهزيمة تحالفها الدولي. ‏منذ الانسحاب أو الهزيمة الأمريكية في عام 2021 وحتى الآن وأمريكا غائبة عن أفغانستان، حيث كانت قد سحبت طاقمها الديبلوماسي، فغدت السفارة الأمريكية في كابول خالية، بعد أن انسحبت إلى قطر، بحيث باتت تتابع الشؤون الأفغانية من قطر، وتدير الجلسات الأمريكية الطالبانية في العاصمة القطرية الدوحة، ولكن على ما يبدو ثمة مراجعات أمريكية وغربية بشكل عام في ضرورة العودة إلى كابول، بعد أن رفضت حركة طالبان الانصياع إلى الطلبات الأمريكية والتي كان آخرها على ما يبدو ضمان منحهم قاعدة بغرام العسكرية المهمة، لمواجهة أي تصعيد مع الصين التي تعتبر على شاشة الرادار الأمريكي السياسي والعسكري والاقتصادي هذه الأيام هي الأهم والأكثر ضغطاً على صاحب القرار الأمريكي. ‏بالطبع رفضت طالبان الطلب الأمريكي، مما أكد ذلك من جديد أن كل ما قيل ويقال عن شروط أمريكية بتحسين واقع المرأة الأفغانية وانخراطها بالحياة المجتمعية الأفغانية مقابل اعتراف أمريكي بالحكومة الجديدة غير صحيح، وأن الشرط الحقيقي هو تحقيق مكاسب جيوسياسية أمريكية، والتي تجلت بشكل واضح في طلبها قاعدة بغرام العسكرية المهمة مقابل إعادة العلاقات، ولكن محللين وخبراء باتوا يرون أن واشنطن والغرب بدؤوا يعتقدون أنهم أصبحوا بعيدين عن القصعة الأفغانية، لاسيما بعد النجاحات الطالبانية في ضبط الوضع الأفغاني، والذي كان محل مفاجأة ودهشة الغربيين، بالإضافة إلى حسن تعامل طالبان مع الواقع الاقليمي المعقد، وتحديداً التعامل مع إيران التي لديها علاقات قوية ومتينة مع المعارضة الأفغانية، ولكن على ما يبدو فضلت في الوقت الحالي على الأقل تغليب مصلحتها القومية، فتعاملت بشكل مباشر مع طالبان متخلية ولو مؤقتاً عن حلفائها في التحالف الشمالي الأقلوي في أفغانستان. ‏الغرب اليوم وعلى رأسه أمريكا يرى طالبان ولديها علاقات ديبلوماسية وحضور في أكثر من عشرين دولة بينها روسيا والصين واليابان ودول شرق أوسطية، وهو الأمر الذي قد يعزل أمريكا أكثر مما يعزل طالبان، لاسيما في ظل الفرص الاقتصادية التي تدفقت على طالبان من الصين وروسيا، إن كان في استخراج المعادن الطبيعية، أو في الفرص السياسية والتي عوّضتها عن العلاقات مع الغرب وأمريكا تحديداً. ‏النجاح الطالباني السياسي والعسكري والاقتصادي، وإعلانها بالأمس عن أنها غدت خالية من الديون الأجنبية، كل هذه أسباب دفعت على ما يبدو الغرب للتفكير مجدداً بإعادة العلاقات مع طالبان، لاسيما وأن الغرب يدرك تماماً أنه مع مرور الوقت سيغدو خارج اللعبة الأفغانية، ولن يكون بذلك قادراً على دعم حلفائه وعملائه، ولا على ترتيب أوراقه في أفغانستان، بعد أن يكون قد سبقه إليها خصومه من الروس والصينيين وهو الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الأمريكيون في فترة ما قبل الغزو السوفياتي لأفغانستان 1979، يوم أهملوها وتركوها نهباً للسوفييت الذين كانوا مشغولين في زرع الأحزاب الشيوعية وتقويتها على حساب المصالح الغربية، فاستفاقت أمريكا فجأة مع طبول الغزو السوفياتي، وقد ابتلعت الشيوعية أفغانستان وغدت باكستان الحليفة لأمريكا في دائرة الخطر، كل هذه الأسباب على ما يبدو غدت حاضرة في الذهن الغربي والأمريكي، فجعلتهم يتخذون مقاربة مختلفة مع أفغانستان اليوم، مقاربة قد تُسفر عن عودة أمريكية وغربية إليها لاستعادة التوازن فيها قبل أن تدور في الفلك الروسي والصيني المناهض للغرب.