09 نوفمبر 2025
تسجيل"حضر الشعب ولن ينصرف" هو المعني الذي نتج من حوارات دارت الأسبوع الماضي، تنوعت بين الأجيال، وخلال المواقف التي تجري وهي يومية ولم يعد تكرارها مصادفة، ولكن جميعها تقر أن ما تتوقعه الأعين في مصر أن حالة من الإحباط تسود وتلقي بظلالها على الحركة، لا يتجاوز ملاحظة للقشرة الخارجية للمشهد، وأن عمق الأحداث يؤكد حضور الشعب المصري في المعادلة، وأن هذا الحضور يتعدى الشكل إلى المضمون، وأنه حضور واع بأمر قضيته التاريخية والتي تتمثل فيمن هو مصدر السلطة الفعلي، وكيف نصل للعدل الاجتماعي. كانت الحوارات تصل لهذه الحقيقة، وكانت الوقائع تكشف عن انهيارات في بنية السلطة والسياسة. السلطة تسعى بكل ما تملك إلى حصار الحركة، وأداتها في ذلك وزارة الداخلية، ذات السقطة التي وقع فيها نظام مبارك، وحركة وجودها يلفه صمت مطبق، وكأن ما يجري لا يعني لها شيئا، ولكن الحقيقة أنها لا تملك معه شيئا والفارق بين الأمرين، أن مشروع جماعة الإخوان لا يتجاوز الاستيلاء على السلطة وأيا كانت الوسيلة، حتى وإن انهارت القيم أو انهارت الدولة ومهما كانت الأضرار التي تصيب منظومة الأمن القومي المصري. تمارس الداخلية التنصت والاعتقال وافتعال الأزمات لتفريغ الحركة من كوادرها، ولكن تلك الكوادر تكشف الحقيقة وتتعامل معها بحالة من عدم الاكتراث، يبدو للوهلة الأولى عدم إلمام بالخطر، ولكنه في الواقع إنهاك متبادل، أو حالة من الاستنزاف تمارسه كل الأطراف تجاه بعضها البعض، فمن سيخرج من هذا الاستنزاف وهو قادر على تجاوز المرحلة؟ سؤال هام، ولكن الأهم أنه تفكيك مستمر لمحاولات التمكين التي تمارسها السلطة. ووصلت أجراس الخطر إلى حد أن تبادر الجماعة عبر رئيس حزبها بالاتصال بالبرادعي، في محاولة إلى ترطيب أجواء المواجهة، ولكنها حركة خارج ميدان الصراع، وهي نفس مدرسة النظام السابق، الذي كان يرى أن معارضة شكلية تعني استمراره في تحقيق أهدافه بالتنازل الشكلي وبالأحاديث الطاحنة خارج قضية الصراع الرئيسية، من يحكم وأين هي العدالة الاجتماعية؟ من الخطأ تصور أن هناك صراعا بين الجماعة وبين المعارضة، لأن الحقيقة الآن أن الصراع بين الجماعة والمعارضة معا في مواجهة الشعب، والشعب لم يدفع بكامل قدراته بعد في هذا الصراع، بينما السلطة وصلت إلى حائط الصد الأخير وهو الداخلية، وبذات أساليب الاستبداد، الأمر الذي يخصم من رصيدها ويضيف إلى رصيد التحريض ضدها. يرى البعض أن هجمة الداخلية بالقتل والتعذيب والاعتقال وتلفيق التهم تستهدف إعداد الساحة للانتخابات القادمة، فالكوادر منشغلة بهذه الوقائع، بينما جماعة الإخوان منشغلة بالإعداد للعملية الانتخابية. ويتردد من جديد هتاف يبدو استدعاؤه مناقضا لمسار الأحداث، فالمظاهرات تتجه إلى القصور الجمهورية، ولكن واحدة منها تتجه إلى وزارة الدفاع مرددة هتافا "يسقط حكم العسكر"، تحت دعوى أن حق القصاص أولى من قضايا التغيير، ولكن حقيقته هو محاولة لوضع الجيش في حالة الدفاع عن النفس، وأن نتيجتها السياسية تصب لصالح الإخوان. وتتجاوز قراءة أخرى مسألة الانتخابات، إلى أن الهدف الحقيقي هو سيناء، وترتيبات تجري تمس الأمن القومي في عمقه، وأن هذه الترتيبات تهدف إلى تحويل الجيش المصري إلى حالة بوليسية لمواجهة الإرهاب، وإعداد سيناء لمشروع الحل النهائي للقضية الفلسطينية. وتصل عبر قنوات فضائية تصورات تبدو أنها نوع من الخيال، تقول إن هناك في غرب مصر معسكرات لإعداد وتدريب عناصر للقيام بعمليات إرهابية في شمال المتوسط، وأن الناتو رصد هذا، وأن موقف الناتو من المعسكرات "قد يقترب من العمل العسكري". وتحمل الأخبار وقائع تمت الأسبوع الماضي أولاها اختراق لطيران منخفض، لجنوب سيناء، والطائرات من دون علامات مميزة، تم رصد الاختراق، وجرى تقييد القوات المصرية من التعامل معه. والواقعة الثانية عبور قطع بحرية إسرائيلية لقناة السويس في اتجاه الجنوب، ولفت النظر تجاوزها القانوني بعدم رفع العلم المصري أثناء العبور، ولكن الأكثر إثارة للانتباه لماذا تتحرك أربع قطع بحرية في اتجاه خليج السويس والبحر الأحمر؟ وأيضا واكب كل ذلك نشر الصحف لتصريحات للمتحدث العسكري المصري بأن القوات المصرية بصدد تجديد الحملة العسكرية في سيناء لمواجهة التجمعات المسلحة هناك والتي يحول القرار السياسي المصري للسلطة من التعامل معها. ويواكب ذلك كله مواجهات حادة ومتجددة بين الداخلية والمتظاهرين، تبدو أنها غير منظمة، وأنها متناثرة ولا رابط بينها، ولكنها تؤكد أن حالة المواجهة لا يصنعها فرد أو تنظيم، ولكنها تحمل في طياتها إشارات لمواجهات أكثر عمقا واتصالا وارتباطا في المستقبل، هي في ذاتها إشعار بأن حربا داخلية من نوع جديد قيد التشكل، وأن محاولات تجاوزها باتفاق بين عجز السلطة وعجز المعارضة على اقتسام الغنائم والاكتفاء بذواتهم، هو في ذاته عجز عن استيعاب جوهر الاحتياج الشعبي في العدالة الاجتماعية، والهروب منها إلى قضايا تداول السلطة. الشعب يواجه الداخلية بكل أدواتها وبلا رادع لها من قانون أو من دروس تجربة المواجهة طوال العامين الماضيين، والسلطة والمعارضة معا في غرف خلف أبواب مغلقة، يمارسون حوار الطرشان بينهما كما يمارسونه مع الشعب. من سيواجه الإخوان؟ وكيف؟، هو سؤال اللحظة في مصر، وفي مواجهته من سيحمي أمن مصر القومي؟ الحقيقة أن السؤال في الداخل من سيواجه الإخوان وأمريكا وإسرائيل؟ وفي خارج مصر السؤال كيف سيتم ترويض مصر بعد الثورة؟ الفارق جوهري، فالإخوان ليسوا مصر على الإطلاق، وبالتالي فإن السؤال الداخلي مشروع، ويمكن حله داخليا أيا كانت الوسائل والأساليب والثمن المدفوع في المواجهة، دما كان أو زمنا من عمر الوطن، ولكن سؤال من سيروض مصر هو السؤال الأكثر إلحاحا على العقل لمواجهته. لا يقبل أي عقل أن التدخل الخارجي، وبالقوة المسلحة يملك قائمة أهداف "إخوانية"، ولكنه يتحدث عن مواقع "إرهابية"! وبذلك فإن التدخل الخارجي له مبرر لاستهداف كل عوامل القوة الوطنية المصرية، وهو يرمي في النهاية إلى إقرار تسوية لصالح الخارج ولصالح إسرائيل، وأيا كان مصدر هذا الخارج، أمريكا أو الغرب أو تركيا أو إيران أو حتى دول الإقليم. والمأخذ الرئيسي على الإخوان هو سرقة الثورة ومحاولة السيطرة على مصر، أو الترويض الداخلي لمصر الشعب والإمكانات والهوية، ولكن المأخذ الأخطر عليهم، هو أنهم يقدمون أوراق اعتمادهم لتحقيق هذا الهدف إلى الخارج، فصنعوا من أنفسهم أداة داخلية لترويض مصر وفق الإرادات الخارجية، مقابل استيلائهم على السلطة. والتدخل الخارجي له بنك أهدافه العسكرية الخاص به، وأول أهدافه القضاء على الجيش الوطني المصري، بينما تطور أهداف الثورة أضاف هدفا مناقضا لذلك وهو إعادة بناء الجيش الوطني المصري. هكذا يبدو أن الحضور الشعبي يحارب معركته الأساسية في امتلاك الشعب لجيشه وإعادة بنائه. وبذلك يصبح إعادة ترديد هتاف "يسقط حكم العسكر"، حتى وإن كان افتراض حسن النية يأخذه بأنه القصاص للشهداء من قاتليهم، غير أنه يمضي مواكبا لهدف خارجي ومطلب سياسي إخواني في إطار صراع السيطرة على السلطة بين القوى الداخلية. ويبقى أن مواجهة الإخوان لا يجب أن تكون بذات منهجهم، بالقبول بتدخل خارجي على الإطلاق، بل إن أحد أسباب مواجهتهم بالإضافة إلى كافة المبررات السياسية، هو خطر الانصياع للإرادات الخارجية. فهل يمكن أن يستوعب الإخوان هذا الفارق، لا أعتقد، فمقومات وجودهم الداخلي لا تؤهلهم للسيطرة على وطن وشعب ودولة، فضلا عن عجزهم عن استيعاب حاجات المستقبل وعدم امتلاكهم لمشروع وطني واضح غير الاستيلاء على السلطة ثم من بعد أي شيء آخر. خرج وزير العدل في الحكومة الإخوانية ليقول إن الجيش هو الذي يمكنه غير الإخوان إدارة البلاد، ولم يتضح من وزير العدل هل هو يعرض للحل، أم أنه يهدد بقدوم الجيش إن رفض الشعب الإخوان؟ أصبح مطلب الوحدة بين الجيش والشعب مطلبا له مبرراته الداخلية والخارجية. داخليا الحقيقة التي أقر بها وزير العدل الإخواني، ومن قبل ذلك أن الجيش في ذاته مستهدف، وأن قضايا الأمن القومي والدفاع في منتهاها تصل إلى مسؤولية الجيش المباشرة استراتيجيا وتنفيذيا. نعم حضر الشعب ولن ينصرف دون تحقيق أهدافه، وصار حضور الجيش المصري في المعادلة مطلبا ملحا، ليس بقاعدة إرضاء الخارج بحوارات تبويس اللحى بين فصائل سياسية في السلطة أو المعارضة لأنهم جميعا خارج ثقة الشعب وأسقط عنهم شرعيتهم، ولكنه حضور بمعنى الدفاع عن الوجود ذاته. مصر تعيد ترتيب الأوراق، والزمن لصالح الشعب، والاقتصاد في الزمن والجهد مطلوب لأن احتياجات البناء والتنمية أكثر إلحاحا، لأن صبر الفقراء على الجوع مع امتهان الكرامة والكذب الملبد في الأجواء، يفتح الباب لحرب أهلية تعيد مصر إلى الخلف لزمن سحيق يعلم الله مداه.