13 نوفمبر 2025
تسجيللا ريب أن النعم تدوم وتثبت بالشكر وتذهب بالجحود وفعل المنكرات والنواهي، وفي القرآن الكريم يخبرنا عما قاله النبي موسى الكليم عليه السلام لقومه: (وَإِذْ تَأَذَنَ رَبُكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7) وقال في شأن نعمة الأمن: (قَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِزْقِ رَبِكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِبَةٌ وَرَبٌ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَلْنَاهُم بِجَنَتَيْهِمْ جَنَتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَرْنَا فِيهَا السَيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَقْنَاهُمْ كُلَ مُمَزَقٍ إِنَ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِ صَبَارٍ شَكُورٍ) (سبأ: 15-19) وقال سبحانه وتعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِن كُلِ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل: 112). قال القرطبي رحمه الله: "سماه لباساً؛ لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس!. ومما يدل على أهميته قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَمَا حِيزَتْ لَهُ الدُنْيَا» رواه الترمذي. ونعمة الأمن أعظم من نعمة الصحة. قال الرازي رحمه الله: "سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل. ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجَسَد. ولو تأملنا في زماننا هذا وانعدام الأمن في العديد من الدول حولنا والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتداعيات التي أفرزتها هذه الحرب على دول العالم أجمع، لتيقنا بأن الحياة لا تتأتى ولا تستمر إلا بتوفر الأمن والاستقرار، وتبعات انعدامها ستلقي بآثارها على كل مناحي الحياة، ولعله من المؤلم جداً أنه رغم ما نشاهده من مقاطع تصلنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قتل ودمار وآهات وتشريد ومعاناة مع الكوارث والبرد والأمطار الغزيرة إلا أننا منشغلون في التباهي بحياتنا المترفة والتسابق في التفاخر والاستعراض بما نملكه من سيارات فارهة وبيوت فخمة وكماليات ثمينة وموائد طعام متنوعة نستعرض فيها مظاهر الترف والإسراف، انشغلنا عما يدور حولنا حتى نسينا شكر الله على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، وتغافلنا عن أن شعوب الدول التي تتعرض للحروب والكوارث والمحن كانوا يعيشون نفس نمط حياتنا التي نعيشها اليوم!. فاصلة أخيرة أحد مواطني دولة عربية يعاني شعبها مرارة الثورة التي اندلعت منذ عام 2011 ظهر في مقطع يكيل السباب لدول الخليج ويدعو الله أن ينعدم فيها الأمن وتنشب فيها حرب لا تبقي ولا تذر، لاشك بأن هذا الشخص سفيه وفي قلبه مرض ولا يُؤخذ كلامه، وليس من المنطق والعدل أن نُطلق حُكماً على هذا الشعب بأنه يحمل نفس قناعة هذا الشخص المريض، ولا ينبغي أن يؤثر ذلك في وقفتنا ودعمنا ومساندتنا لهذا الشعب الشقيق في محنته.