10 نوفمبر 2025

تسجيل

لو نغير مشروع الوفاق التونسي للخروج من الأزمة !

18 ديسمبر 2013

تعاني بلدان الربيع العربي خريفا شديد الأعاصير منذرا بالهزات والمخاطر وبمستويات وأشكال مختلفة الأهوال فمن أعلى درجات العنف في سوريا إلى انسداد أفق الحل في مصر إلى غياب مؤسسات الدولة في ليبيا إلى الصراع القبلي والطائفي المسلح في اليمن وصولا إلى فقدان الوفاق والأمان في تونس. وقد تساءلت بيني وبين ضميري لماذا ضيعت هذه الشعوب بوصلتها الهادية وتاه ربان سفنها والمسافرون معهم في لجج بحر الظلمات السياسية والحضارية. بعد أن حاولت المساهمة بقسط متواضع في حوارات ونقاشات تونسية وقابلت أصدقاء تقاسمت معهم غربة المنافي وحماس النضال ضد الاستبداد وأغلبهم اليوم إما في سلطة مهزوزة أو في معارضات عقيمة وخرجت بنتيجة أن الوفاق مستحيل بالنظر إلى تراكمات أدت إلى فقدان الثقة كل في الآخر والكل في الكل وحتى الكل في أنفسهم خوفا من مستقبل مجهول يمكن أن يغري البعض بالانقلاب على ما تبقى من شرعية على منوال النموذج المصري بتعديلات محلية وحسب ميزان القوى الوطنية ويمكن أن يتلاعب فلان أو علان بصناديق الانتخاب غدا وتزييف إرادة شعب لم ينتخب في حياته بحرية مسؤولا واحدا حتى لو كان رئيس بلدية ولا عرف طعم الديمقراطية منذ أكثر من نصف قرن. وعندما أدركت بأنني لم ولن أهتدي إلى إقناع الأصدقاء برأي سديد حول رجل رشيد يمكن أن يختاروه لرئاسة حكومة للمرحلة التمهيدية فكرت وأنا بعيد جغرافيا عن الحدث التونسي في أن نغير تماما مشروع التغيير ونعرض على الفرقاء خارطة طريق واضحة ومختلفة تماما عن مجرد تشكيل حكومة جديدة ومطالبة الجميع باختيار رئيس لها بعد أن تيقن الجميع باستحالة التوافق على رجل وهاهو صديقنا الكبير والحكيم مصطفى الفيلالي يعتذر بأدب وتواضع عن تحمل هذه الأمانة التي عرضوها عليه. تحاورت بالإيميل مع صديق شاب تونسي كادر عالي المستوى في هندسة مؤسسات عربية ودولية يعمل خارج أرض الوطن كمؤسس مشاريع اتصالية متطورة مما أعطاه نفس المسافة من الابتعاد عن الحدث والتفكير في برنامج مغاير كليا للبرامج الإنقاذية المطروحة في الساحة والتي لم تثمر رغم أهميتها. هذا الصديق هو محمد بوعنان الذي بلورت معه مشروعا واضحا ومختلفا عن المشاريع المجهضة وإننا نطمح لعرض هذه الأفكار الجلية التي تغير من طبيعة خارطة الطريق بالشكل الذي نعتقد أنه يبلغ بنا مرحلة الوفاق لأنه يوفر الإطار الدستوري والتشريعي والسياسي العام للوفاق ويمهد طريق الخروج العاجل من الأزمة لا بحلول ترقيعية منقوصة لم تحظ بالإجماع بل بحلول راسخة قوية تسد منافذ الشقاق والعنف ونرجو أن يقرأها كل الفرقاء وربما حصلنا على توقيع بعضهم عليها بتبنيها وإثرائها بالتعديل أو النقد والله ولي التوفيق. لم تعد حالتنا السياسية والأمنية والاقتصادية في تونس خافية على أي مواطن وأي خبير أجنبي وأي مؤسسة سياسية أو مالية دولية وآخر المصائب تخفيض ترقيم التقييم لأهم المصارف التونسية من قبل هيئة موديز الدولية هذا الأسبوع وهو ما يستدعي مواقف الحكمة والتعقل والاحترام المتبادل لإضاءة المدلهم من منعرجات المستقبل ونقترح الخطوات العملية التالية: 1) التخلي عن عملية حل الحكومة وتعويضها بحكومة جديدة والشروع في إعداد انتخابات رئاسية بالاقتراع العام على دورتين يفصل بينهما أسبوع واحد في أجل لا يتجاوز الأربعة أسابيع من تاريخ الاتفاق على هذا المقترح وقبول الترشحات للرئاسة وتنظيم حملات انتخابية شفافة ثم انتخابات تراقبها هيئة المحكمة الإدارية التي نوكل إليها وقتيا مهام المجلس الدستوري وتدعى لضمان نزاهتها منظمات دولية مختصة. 2) يعين رئيس الجمهورية المنتخب رئيس حكومة لتشكيل حكومة كفاءات إما غير مسيسة وغير حزبية وإما وفاقية سياسية بين الأحزاب. 3) الاتفاق بين الجميع على جدول الأولويات الوطنية وهي ليست محل اختلاف وعلى رأسها إعادة بسط الأمن والأمان بقوة القانون وتفعيل العدالة الانتقالية ومقاومة الجريمة والإرهاب وضمان استقلال القضاء ثم التصدي للأزمة الاقتصادية والمالية بإعادة ترتيب أبواب الميزانية وإعادة الثقة للمستثمرين ومعالجة ملفات الخلل الجبائي وانخرام التوازن الجهوي بالبحث عن تقسيم أعدل وأكثر ملاءمة للجهات والإدارة الجهوية وتفويض الصلاحيات للجهات بعد تقسيمها الجديد على أساس اللا مركزية الذكية الناجعة اقتصاديا وجغرافيا. 4) تعود الهيئة الوطنية المستقلة السابقة للانتخابات لسالف عملها بعد تحويرات وفاقية وهي التي تنظم الانتخابات الرئاسية وتعهد للمحكمة الإدارية كما أسلفنا مهام المجلس الدستوري وتكلف بإعداد قانون انتخابي عصري وخال من المحاذير وتستعين المحكمة بمن تراه كفئا لتقديم العون والاستشارة. إننا نؤمن بثلاث حقائق: الأولى أن المسار الوفاقي المطروح منذ أربعة أشهر لم ينجح ولم يتوصل التونسيون إلى اتفاق حول هذا المسار لأسباب يطول شرحها والثاني بأن عبقرية الشعب التونسي المشهود له بها منذ قرون ستهتدي إلى أقوم المسالك كما كان يسميها المصلح الوزير خير الدين باشا فبلادنا لم تسقط في مستنقعات العنف ولم تصب بما أصيبت به بلدان أخرى من انهيار وفوضى والثالثة هي أن شعبنا لم يعد قادرا على تحمل التأجيلات وتعداد الأخطاء والصبر على انعدام الأمن وغلاء المعيشة وانسداد أبواب الرزق وتواصل البطالة لدى الشباب وهم الذين صنعوا الثورة ودفعوا ثمنها غاليا. هل من نقد أو تعديل أو رأي في هذا المسار؟