08 نوفمبر 2025

تسجيل

أحكام الإعدام بالجملة.. (أنا أحيي وأميت)

18 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ)) ...البقرة... يعرض مشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي الشهير في شرحه لآليات عمل السلطة التي تناولها في كثير من مؤلفاته كـ "المجتمع والعقاب" و" يجب حماية المجتمع" و" المراقبة والمعاقبة"، إحدى صور القمع التي تلجأ لها السلطة فيما يخص معاقبة المدانين أو المعارضين لها، حيث يعرض فوكو إحدى هذه الصور وهي صورة العقاب الملكي الذي يراد به قمع الجماهير من خلال تنفيذ عمليات إعدام وتعذيب وحشية علنية. ولا شك أن السلطة في بعض الحالات الضيقة تحتكر وحدها حق القتل الشرعي الإماتة (الإعدام) وربما (الإحياء) كالدية، وذلك بشروط ومن خلال تنفيذ مسميات القصاص وتطبيق القانون الأمر الذي يجعل هذا الحق مقبولا من المجتمع ومبررا في مساقات القيم والأعراف الاجتماعية والدينية والأخلاقية إلا أن فوكو يعترض أيضا بالقول "إنه إذا كان الهدف للسلطة والعقد القائم بينها وبين المجتمع هو رعاية وحماية النسق الاجتماعي وحماية الحياة لمواطنيها، فكيف يتضمن ذلك العقد حق الإماتة؟!أيضاً وفي ظل امتلاك الدولة كذلك حق العنف الشرعي، فإن هذا الاحتكار يجعل من يقوم بهذا الدور - غير الدولة - مجرما سواء من كان يقوم به فرداً أو مجموعة أو طائفة، لكن السؤال.......كيف يقبل المجتمع هذا الكم من أحكام القتل (الإعدامات الجماعية) الذي تشرعنه السلطة تحت ستار القانون، والذي وصل في إحدى الجمهوريات العربية لخمسمائة واثنين وعشرين في حكم واحد، وجلسة واحدة، فالحقيقة أن هذا الحكم لم يكن له قصد وهدف سوى دفع المجتمع أو شريحة منه لسلوك وتوجه معين يعطي - السلطة - فيما بعد للمزيد، ويكون غطاء ومبررا لما تقوم به من قتل متعمد... بدعوى محاربة الإرهاب، وخلق حالة من الخوف والعنف ونشر الرهبة لإقصاء أي مطالبة سياسية وإسكات أي صوت معارض لها. لكن ما غفلت عنه السلطة هو أن المتلقى (المواطن) العادي والبسيط لن يكون في ظل هذا التسارع الجنوني في استخدام حق الإماتة (الإعدام) مستعداً بعدها للتصديق أو القبول، خاصة حين يدرك أن من ارتكبوا جرائم محققة بل أشد ممن جرى بحقهم الإعدام لم يتم إدانتهم أو محاكمتهم، بل بالعكس رجعوا سالمين ليمارسوا نفس الدور..... بعد أن برأتهم نفس السلطة .... "عودوا لمقاعدكم".فممارسة السلطة لحقوقها لن يحميها إلا العدالة والقناعة والقبول من قبل المجتمع لهذا الحق.. إن جرائم وتجاوزات بعض الأنظمة العربية السابقة والحالية، والتي حمتها جيوش من المروجين للقومية أو البعثية أو الطائفية، وغيرها من المصطلحات السياسية والأيديولوجية، باتت اليوم غير قابلة للتصديق أو التطبيق والقبول، حتى من يتصدى لتبريرها من النخب والمثقفين والرموز الإعلامية أو الدينية لن يكون قادرا فيما بعد على الاستمرار في تفسير هذا الكم الهائل من الأحكام الجائرة بالقتل (الإعدام) لطائفة أو شريحة لمجرد أنها معارضة للسلطة، فلا مبررات إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية تتسع لمثل هذا العبث الجنوني في قتل وإعدام المعارضين.بل إننا نلحظ حتى أقل الشرائح المجتمعية التي تحمل شهادات تعليمية بسيطة تستنكر وترفض ما يجري، ولا أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من الاستهزاء والتندر والتعليقات التي نطالعها في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات وغيرها على هذه الأحكام، مقابل مفكرين وفلاسفة وكتاب ونقاد ونخب وسياسيين آثرت الصمت و(الشماتة) لا لشيء سوى أن الإبادة والقتل والأحكام بالسجن والإعدامات الجماعية تقع على من يخالفهم في التفكير والرأي أو لأنها خرجت صفر اليدين من الاستحقاقات الديمقراطية !؟هنا أجدني مجبراً على أن أتفق مع فوكو في أن أزمة مجتمعاتنا هي نتاج الطبقات والنخب المثقفة، لكنها طبقات ونخب رخيصة بلا قيم أو مبادئ تستطيع أن تحمي المجتمع وتصون الحقوق.