08 نوفمبر 2025

تسجيل

كيف فشلت تركيا في اللعب مع الكبار؟

18 مايو 2013

لم تستطع بعد الدول "متوسطة القوة" والساعية لتكون قوى عالمية ولو بعد عقود من أن تلعب على طريقة الكبار. تركيا واحدة من هذه القوى التي تمتلك المقومات المادية لتكون قوة إقليمية وعالمة ذات شأن. بدءا من الموقع الجغرافي الإستراتيجي إلى موقعها الوسطي المتقاطع مع عوالم حضارية متعددة من المسيحي إلى الإسلامي إلى السلافي إلى العالم التركي والمتوسطي وما إلى ذلك. وهي ذات عدد سكاني كبير (73 مليونا) وطاقات بشرية وصناعة معقولة قياسا إلى إلى الدول الصناعية الكبيرة. وهي إلى ذلك وريثة آخر وأكبر إمبراطورية إسلامية لم يمر بعد قرن على انهيارها أي أنها تملك "روحا" إمبراطورية تحفّزها على استعادة الأمجاد العثمانية بل أيضا الإرث السلجوقي وهما النزعتان اللتان يكرر رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان التغني بهما ومحاكاتهما حتى في ديكور غرفة مكتبه الحكومي في قصر الدولما باهتشه في اسطنبول. لكن ما بدا من سلوك تركي في السياسة الخارجية منذ أكثر من سنتين يكاد لا يمت بصلة إلى روح الإمبراطورية التي يطمح الثنائي: أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو لإعادة بعثها. العلاقات مع الولايات المتحدة كانت النموذج الأوضح على هذا القصور في التفكير المنسجم مع بلوغ الأهداف. منذ لحظة اندلاع الأزمة في سوريا بات كل المحللين الأتراك بمن فيهم المؤيدون لحزب العدالة والتنمية يرون خطأ في التقدير الاستراتيجي التركي تجاه تطورات الوضع هناك. إذ أن سياسة أردوغان - داود أوغلو كانت تتوقع سقوطا سريعا للنظام متجاهلة أو قاصرة عن إدراك عاملين أساسيين: الأول مدى قوة التحالفات الإقليمية والدولية للنظام، والثاني تقدير التوجهات الأمريكية تحديدا، من بين سائر القوى الغربية، تجاه الأزمة السورية. كان داود أوغلو يكرر من وقت لآخر أن تغييرات ستطرأ "قريبا" على الموقفين الروسي والصيني وأن الموقف الإيراني ليس بعيدا كثيرا عن الموقف التركي. لكن تقديرات الوزير المعروف بنظريته عن "العمق الاستراتيجي" لم تصح ولم تكن لا عميقة ولا إستراتيجية إذ كان الموقف الروسي يزداد صلابة في الدفاع عن النظام لألف سبب استراتيجي بمعزل عن موقع الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا من المعادلة المقبلة.ولا يمكن أن ينتظر أحد ألا يستشرس الروس في الدفاع عن النظام حتى آخر لحظة ما دامت سوريا آخر موقع لهم في الشرق الأوسط وفي مياه المتوسط. أما في العلاقات مع الولايات المتحدة فلم يكن الحال أفضل في الفشل في تقدير السلوك الأميركي تجاه الأزمة السورية. لقد دعمت واشنطن المعارضة السورية ووفرت غطاء للقوى المعارضة للنظام السوري لكنها لم تكن لحظة مستعدة لتقوم بنفسها بدور مباشر لكي تسقط النظام وإن حاولت ذلك عبر مجلس الأمن. لقد كانت إدارة أوباما الأولى والثانية على نفس الموقف من ضرورة الابتعاد عن التورط المباشر في الوضع في سوريا وبالتالي عدم القيام بتدخل عسكري خارجي. إذ كانت واشنطن خارجة من حرب العراق التي ألحقت أذى كبيرا في صورة الولايات المتحدة الأخلاقية بتدمير بلد بحجج بان كذبها. ولم تكن بالتالي مستعدة لخوض مغامرة جديدة عالمية مسرحها سوريا. وجاءت الأزمة المالية لتحول دون تورط أمريكي جديد بعد تركيز الاهتمام على الوضع الاقتصادي الداخلي ودافعي الضرائب.كما أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة باتت أولوياتها في المحيط الهادئ لمواجهة الصين وليس في الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك أن أي تدخل عسكري أمريكي في سوريا كان سيعني حربا إقليمية وربما عالمية لم تكن أمريكا ولا تزال غير مستعدة لها. لم ير الأتراك كل هذه الصورة. لكن التراجع عن إستراتيجيتهم الخاطئة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية كان قد فات الأوان عليها لأنهم وضعوا خطة واحدة دون أي بديل على أساس ثقتهم الراسخة بأن الاضطراب السوري سينتهي بسرعة وأن النظام سيزول بأسرع منها. لذلك كلما حدثت مشكلة عسكرية أو أمنية بين تركيا وسوريا كانت أنقرة عاجزة أو مكبلة اليدين عن الرد وآخر مثال عليها تفجيرا الريحانية واللذان أوديا بحياة 51 شخصا على الأقل واتهمت أنقرة دمشق بهما والتي سبقت زيارة أردوغان المكبل اليدين إلى واشنطن للقاء أوباما. إن تلافي الفشل في كيفية التعاطي مع أول أزمة كبيرة تواجه السياسة الخارجية التركية مباشرة كان يقتضي السعي لامتلاك فهم أعمق لطبيعة المنطقة التي خرجت منها تركيا في العام 1918 وبقيت خارجها على امتداد عقود وتريد اليوم العودة إليها من بوابة التقديرات، بل أيضا المعلومات، الخاطئة. كما كان يقتضي تواضعا أكبر في وضع أهداف تنسجم مع القدرات ومع خصائص القوى التي تحيط بتركيا ومع متغيرات النظام الدولي والتي لم تعد كما كانت لا أيام السلاجقة ولا أيام العثمانيين.