05 نوفمبر 2025

تسجيل

قصص النجاح.. ما أحوجنا وأحوج أجيالنا الشباب إليها

18 أبريل 2012

أنا مع عرض قصص النجاح، وتقديم المبادرات الجديدة، والتعريف بأصحابها، ممن تتميز إنجازاتهم أو جهودهم أو أعمالهم أو إسهاماتهم، أو تصنف ضمن خانة الريادة والسبق والابتكار، أو ترك بصمة لخدمة مجتمعاتهم والناس من حولهم، في المجالات المختلفة: العلمية والتربوية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإبداعية.. أنا مع ذلك وبخاصة للناشئة والشباب، وذلك من خلال المنابر الإعلامية المختلفة، والمهرجانات، واللقاءات المباشرة، ومع تكريم شخوصهم، من خلال الجوائز والاحتفالات التقديرية، باعتبارهم قدوة لأقرانهم وللأجيال في حياتهم وبعد مماتهم.  لا ينبغي في هذا الصدد أن نقتصر على الأموات دون الأحياء، أو على الأبعدين دون الأقربين زمانا ومكانا، أو على المبرزين أو البارزين جدا دون البارزين، أو على ميدان معين كالمجال التكنولوجي مثلا دون غيره، بل يفترض أن نشمل جميع شؤون الحياة، وكل جهد وإنجاز ينفع الناس فيها، وجميع ما يندرج في الفعل الإبداعي وخدمة المجتمع والقيمة المضافة.  في المجالات المختلفة سنجد حولنا فرسانا يستحقون ذلك الاهتمام والاحتفاء، وخير أن يكون ذلك التكريم في حياتهم من أن يكون بعد مماتهم، لأنه سيترك انطباعا أفضل في نفوسهم، وحافزا أكبر لمواصلة تميزهم وعطائهم، كما أن تعريف الجمهور بإنجازاتهم وبصماتهم المميزة، سيتيح لهم فرصة التواصل معهم والاحتكاك بهم، والإفادة من تجاربهم بصورة مباشرة، وهو ما سيعكس نفسه بفوائد أكبر وأفضل.. ولعلي أذكر من هذه البرامج التلفزيونية على سبيل المثال لا الحصر " زمام المبادرة " "وموعد في المهجر " في قناة الجزيرة القطرية.  ففي مجال طب القلب سنجد مثلا مجدي يعقوب، وفي الفيزياء الدكتور أحمد زويل، وفي العمل الخيري سنجد الدكتور عبد الرحمن السميط، وفي الفقه والاجتهاد والدعوة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، وفي الشعر تميم البرغوثي، وفي مجال برمجيات الكمبيوتر "مايكرو سوفت" وتجارتها، وصولا إلى مرحلة الثراء ثم مبادرة تخصيص جزء كبير من الثروة للعمل الخيري " بيل غيتس"، وفي مجال المقاومة والاستبسال والدفاع عن المقدسات، يذكر الشيخ "أحمد ياسين"، والشيخ رائد صلاح حفظه الله وهكذا.  وإذا كانت قصص النجاح التي حولنا للأصحاء تستحق منا هذا التعريف والتقديم، ومن الأجيال المتابعة والاهتمام والتدبر والتأسي، فإن قصص التميز لأصحاب الإعاقات وذوي الاحتياجات الخاصة يفترض أن تحظى بقسط أكبر من باب أولى، وتعهد بعناية أوسع، لأن حجم التحدي والإصرار من قبلهم أضخم وأشد. ما أثار في الذهن هذه الخواطر، ودفع إلى تسطير هذا المقال، هو زيارة قمت بها إلى معهد النور للمكفوفين، أتاحت لي التعرف إلى هذا المرفق الحيوي عن قرب، والخدمات الراقية المقدمة فيه للمعاقين بصريا، كما أتاحت لي في ذات الوقت ـ وهنا بيت القصيد ـ التعرف عن كثب على قصة نجاح تأثرت فيها وأفدت منها، أتمنى أن تقدم لأطفالنا وشبابنا، في قطر والخليج والوطن العربي، من خلال برنامج تلفزيوني وفيلم وثائقي، وكتاب للسيرة الذاتية، ألا وهي قصة الدكتورة "حياة خليل نظر حجي"، التي أصيبت بفقد بصرها، وهي في الصف الخامس الابتدائي، إثر انفصال مفاجئ في شبكية العين، ومع ذلك لم يمنعها ذلك من حيازة أرقى الدرجات الأكاديمية في التربية من جامعة قطر والجامعات الأمريكية، والقيام بإدارة صرح تربوي هام، ألا هو "معهد النور للمكفوفين" بكل ثقة واقتدار، منذ عدة سنوات، ولا تزال، والسهر من أجل خدمة المكفوفين، وتعليمهم وتنمية قدراتهم، ودمجهم في المجتمع، ونيل عدد من الجوائز، وكان آخرها حصولها على المركز الأول في الفئة المهنية، لجائزة رابطة سيدات الأعمال القطريات عام2011.  لم تكتف " حياة " الفتاة الكفيفة بالحصول على درجاتها العلمية فحسب، بل كانت متفوقة في سائر مراحل دراستها، فقد كانت العاشرة في القسم الأدبي/ الفرنسي، في الثانوية العامة، وبمعدل زاد عن 95 بالمائة. ثم كانت الأولى على دفعتها في قسم اللغة العربية بجامعة قطر، ثم بعد ابتعثت من قبل وزارة التربية والتعليم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حصلت على درجة الماجستير في التربية العامة والخاصة بدرجة امتياز عام 2003، والدكتوراه في "القيادة التربوية" من جامعة سانت جوسف بولاية بنسلفانيا، بامتياز 2007 أيضا، مستخدمة في دراستها أرقى التقنيات الحديثة من جهاز " برايل نوت"، وكمبيوتر محمول مزود ببرنامج قارئ الشاشة (HAL). عندما سألتها عن شعارها في الحياة قالت لي: إنه " لا يأس مع الحياة، وأنها في مسيرة حياتها كثيرا ما كانت تتمثل قول الشاعر العربي: ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه ** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا. تكشف تجربة الدكتورة حياة عن عزيمة صاحبتها في قهر أي مستحيل يواجهها، وتجاوز كل الصعاب التي تعترضها.. وعن دور مميز لوالدها وأسرتها الذين وقفوا إلى جانبها وساندوها، وعن دور مماثل لدولتها ومسوؤليها، وبخاصة الشيخة موزا بنت ناصر حرم صاحب السمو أمير قطر، وما همسته في أذنها أثناء حفل تخرجها من جامعة قطر ـ كما روت لي، من حثٍّ لها على مواصلة تعليمها العالي، ثم وزارة التربية والتعليم التي سهلت أمر ابتعاثها للخارج لمواصلة تعليمها في أمريكا.  كم هناك من أمثال قصص الدكتورة حياة في عالمنا العربي ما يحتاج إلى أن نعرفه نحن، ونتعلم منه! والأهم من ذلك أن يعرفه أطفالنا وشبابنا ويتعلموا منه.