06 نوفمبر 2025

تسجيل

أزمة اليمن.. لماذا يتعذر الحل؟

18 أبريل 2011

متى وكيف ولماذا يحصل الانسداد السياسي؟ أزمة اليمن تعطي إجابات واضحة، ومؤلمة، حرص الرئيس علي عبدالله صالح في كل الخطب التي ألقاها، في الآونة الأخيرة، على ترديد كلمة الديمقراطية مرات ومرات، ولو كانت هناك ديمقراطية لما كانت هذه الأزمة، وبهذا الاستعصاء الذي تجمدت عنده، أو لكانت وجدت آليات عادية وسلمية، وبالأخص دستورية، لحلها أو الخروج منها من الواضح الآن وعلى نحو لا يقبل أي لبس، أن الديمقراطية كانت مجرد عنوان مضلل. متى؟ سواء كانت الدول قديمة أو فتية فإنها تمر بمراحل تأزم لا تلبث أن تنتهي، قد يكون بعض هذه المراحل عابراً في حياة الشعوب، لكن عندما ترتسم اللحظات التغييرية فإنها تتأتى عادة من تراكمات مزمنة ومعتملة لدى فئات عدة وتنتظر الشرارة لتنفجر، وعندئذ لابد أن تحقق أهدافها الرئيسية، فالانتظار الطويل كان يعني صبرا ومعاناة وقلقا وترقبا، لذلك يصعب تمرير تلك اللحظات بإنصاف الحلول، لذلك أيضا لا يطرح سوى خيار وحيد: رحيل رأس النظام، وخلال ثلاثة وثلاثين عاما أمكن لنظام صالح أن يمارس كل الأنواع العداوات والتسويات، والتحالفات والصفقات، وأن يسود ويفرق، وفي مختلف التقلبات كانت الثابت الوحيد أن النظام ينتصر ويكرس ذاته، فيما تنتقل البلاد من قلق إلى قلق، ولا يرى الشعب لنفسه مستقبلا في وطنه. كيف؟ لا داعي للبحث طويلاً عن أسباب تفجر الأزمة الآن، قد يكون مناخ الانتفاضات العربية – أو ما بات بـ"الربيع العربي"، أسهم في صنع اللحظة التغييرية، لكن المجتمع السياسي اليمني يحاول منذ سنوات، وكان النظام ينجح دائما في الهروب إلى الأمام، فكلما انفتحت أزمة يتعامل معها ويحرص على إبقائها جرحا مفتوحا ليعود إلى استخدامها عند الضرورة، وإلا فما الذي برر مثلا أن تطول المواجهة مع الحدثيين كل هذه السنوات، وما الذي يفسر هذا التغلغل المتمادي لتنظيم "القاعدة" في بعض أنحاء اليمن. وما الذي حال دون معالجة التململ الذي صار حراكا، ثم رغبة في استعادة الانفصال جنوبا، وما الذي منع إيجاد مسار تنموي واحد ناضج ولو في منطقة واحدة كنموذج ممكن، وما الذي يسوغ وجود فساد فاحش، وفقر مدقع تحت سقف واحد، وما العذر الذي يمكن أن يعطي لترك الاقتصاد فوضويا وغير واعد، وأخيرا، ما الذي أطاح بكل محاولات إجراء حوار وطني من أجل الإصلاح السياسي؟ كل هذه الأسئلة تعني أن البلد كان مهملا، وأن النظام اهتم فقط بالإكثار من أذرعه الأمنية وبتعزيزها لتكون قوته الضاربة، أي أن كل ما يمكن الشعب أن يتوقعه من الحاكم هو أن يخيفه ويدفعه إلى الصمت، وربما إلى التفكير بالوسائل المتاحة للتغيير، عبر الانتخابات على سبيل المثال، غير أن الذراع السياسية للنظام كانت تقف بالمرصاد، فحزب المؤتمر الشعبي أو الحزب الحاكم، كان مجرد دمية بين يدي النظام ولا يعنيه من الشعب سوى أن يطوعه في خدمة النظام، مع ذلك تعددت الهبات الشعبية، وعندما بدأت الهبّة الأخيرة، كان الرئيس صالح نفسه أول من استشعر خطورتها فقصر البرلمان محاولا أن يجهضها، قدم بعض التنازلات ولوّح بأكثر منها، شرط أن يبقى في المنصب حتى نهاية ولايته، كان الأوان قد فات، ولم يعد في مواجهة المعارضة التقليدية التي سبق أن تعامل وعرف كيف يروضها، ولو على مضض منها، بل أصبح في مواجهة ساحة التغيير، ومن هم من في تلك الساحة لا يعرفهم لكنهم يعرفونه بحكم أنهم ولدوا جميعا في عهده الطويل ولم يعرفوا رئيسا سواه ولا يرون سببا للامتناع عن مطالبته بالرحيل. لماذا حصل الانسداد؟ لأن هذه الدولة أو بالأحرى هذا النظام بنى العلاقة مع الشعب والمجتمع على أساس أن من يستطيع أن يحسم عسكريا هو من يحكم، هذه اللعبة التي يتقنها لكن ساحة التغيير قلبت قواعد اللعبة وزرعت منطقا آخر في البلد، رغم كل الجيوش التي يملكها فإن النظام لن يبقى، عبثا حاول إيجاد صيغة سياسية لتغيير مجرى الأحداث، لما راح يسميه نقل السلطة، لما اعتبره حلا دستوريا، وعبثا حذر من الفوضى والحرب الأهلية والقاعدة والانفصال ونشوء دويلات كان ولا يزال الجواب الذي يتلقاه كلمة واحدة "ارحل"، حتى بعدما أخرج مؤيديه ليلعب شارعا ضد شارع، وحتى بعدما تعددت هجمات "بلاطجته" وقتلها العشرات بلا تردد، بلا رحمة. لماذا أيضا؟ لأن النظام عرف أنه فقد زمام المبادرة سياسيا، إلا أن حساباته الدقيقة أظهرت له على الدوام أنه يستطيع العناد، بل إنه مضطر للصمود، لأن الخسارة كبيرة في حال انهياره، فهي لا تتعلق بشخص الرئيس فحسب بل تعني المنظومة التي أقام عليها سلطته عائليا وقبليا، ثم إنه يرى ما حل بسواه من الحكام الذين أسقطوا أو هم على وشك السقوط، لم يدر في خلده ولا لحظة أنه يمكن أن يكون قد أخطأ فعلا، ولم يتساءل لماذا يرفضه الشعب طالما أنه لم يفعل سوى الصواب. لماذا أخيراً؟ لأسباب ثلاثة. الأول أن رأس النظام فقد المصداقية ولم يتصور طوال أعوام حكمه أن مثل هذه الخسارة يمكن أن تكون حاسمة إلى هذا الحد، والثاني أنه اجتهد طوال الوقت لجعل الدستور والقوانين والمؤسسات طوع بنانه، وقد تلاعب بها جميعا وإذ يحاول الاستنجاد بها الآن يصطدم بالواقع الذي صنعه بنفسه. والثالث أنه حاول مصادرة المستقبل مسبقا عبر العمل من أجل توريث الحكم لنجله، ورغم أنه رمى هذه الورقة، كما فعل الرئيس المصري السابق قبله، إلا أن وضعها في التداول ولو في أضيق نطاق فعل فعله في تفجير الغضب. هذا هو الأمر الواقع الذي تجد المبادرة الخليجية نفسها إزاءه، فحتى النقطة المفتاحية فيها وهي نقل الرئيس صلاحياته إلى نائبه تبدو مستحيلة لأن النائب يستهول المهمة ولا يريدها، ما يتيح للرئيس طرح نائب آخر بديل، وفوق ذلك يريد ضمانات كاملة بعدم الملاحقة أو المحاسبة، بل يريد التأكد من رحيل من تمرد عليه قبل أن يرحل هو نفسه ليضمن أن اللعبة الأمنية ستبقى كما أدارها. الرئيس صالح متأكد بأن ثمة انسدادا سياسيا، لهذا فهو يراهن على الوقت، ولابد أنه متعجب كيف أن مناوئيه ضبطوا أنفسهم فرغم كل استفزازاته المسلحة لم يواجه بأي سلاح على كثرته في اليمن.