11 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يخفى عليكم أن غول الفساد بات وحشا يمتلك ظاهرة التخفي، لكنه بارع في الوصول إلى ما يريد، حيث أذرعه ممتدة إلى أماكن قد لا تخطر على البال.الفساد بات قبيلة كبيرة، تضم جرائم متجددة بحسب الظروف والمكان والزمان.كنا نظنه محصورا بسرقات المال العام، لكننا اكتشفنا لاحقا أنه متعدد الوجوه والأوجه، ففيه الرشوة والتلاعب بالمال العام، اختلاسا وتبديدا وهدرا وإساءة استخدام، وصولا إلى غسيل الأموال والجرائم المحاسبية والتزوير وغيرها.يتعداها طبعا إلى المتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال السلطة بأنواعها السياسية والدينية والإدارية.كما أخبرتكم، هو قبيلة كبيرة من الآفات التي غزت العالم بأسره، نشاهدها في دولنا واضحة المعالم، عبر توزيع غير عادل للثروات، وعدالة اجتماعية تتفاوت من بلد إلى بلد.نشاهدها في الغرب بشكل أكثر نعومة، حيث تسيطر اللوبيات السياسية والاقتصادية على إمبراطوريات عظمى، باتت تتحكم في رقاب الشعوب الغربية، رضيت بذلك أم أبت.هناك معادلة غريبة لم أستطع فك طلاسمها، وهي أن جرثومة الفساد لها قدرة كبيرة جدا على التكيف مع كل الظروف، فهي لا تعترف بالقوانين ولا بالمعاهدات ولا بالمراقبة، لأنها بمقدورها أن تصنع لها بيئة افتراضية تجذب إليها جميع المصابين بذلك الداء، وتراهم بارعين في تحقيق (كفاءة) غير طبيعية في ممارسة "الفساد".في دولنا الخليجية، هناك العديد من منظومات محاربة الفساد المالي والإداري، وهي تعمل بجد وحيوية، لكنها مع ذلك تشعر أحيانا بأنها شبيهة بمحاولات اليد الواحدة في التصفيق.دولنا وقعت اتفاقيات والتزامات دولية متعددة بشأن مكافحة الفساد مُقرّة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن ما أثر تلك الاتفاقيات الحقيقي على الأرض؟ ما أثر تلك الاتفاقيات وتلك الهيئات على التنمية بكافة أشكالها في دولنا؟!في الكويت هناك مجلس الأمة منذ العام 1963، وهناك ديوان المحاسبة الذي صدر بمرسوم سنة 1964 ثم عدّل في 1977.هذا بالطبع غير التشريعات ودور الصحافة ومؤسسات المجتمع المدني اللافتة.في مملكة البحرين تفاوت الموضوع من دستور 1973 إلى دستور 2002، وهناك مجلس الشورى وهيئة مكافحة الفساد، إضافة إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية، إضافة إلى دور النيابة العامة المفترض، في فتح ما تريد من قضايا في هذا الجانب بناء على صلاحيات وهبت لها بمرسوم ملكي.هذا بالطبع ينضم لقائمة من المشاريع التي أقرت نيابيا لتعزيز هذا التوجه، أبرزها إقرار قانون الذمة المالية الذي بدأت تطبيقه مؤخرا هناك، إضافة إلى دور الصحافة ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني في دعم ذلك التوجه.إذا جئنا إلى قطر، فإن مؤشرها عربيا وخليجيا في مؤشر مدركات الفساد أفضل بكثير من أقرانها.قطر أنشأت هيئة وطنية للرقابة الإدارية والشفافية في العام 2011، صدر قبل أيام قرار آخر بإعادة تنظيمها، هذا إضافة إلى دور السلطة التشريعية والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني في تعزيز ذلك الدور. دولة الإمارات العربية المتحدة حققت مؤشرا جيدا في مدركات الفساد، وفيها أنشئت دائرة منبثقة عن حكومة أبو ظبي تعنى بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة.وفيها كما البحرين تقوم النيابة العامة بدورها في التحقيق في قضايا الفساد التي تمس الدولة بشكل منفصل.المملكة العربية السعودية ومنذ العام 2011 أقر مجلس الوزراء توصية بالموافقة على الإستراتيجيات الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وعلى إثر ذلك تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي نشطت بصورة كبيرة منذ أن أنشئت حتى يومنا هذا. أما سلطنة عمان فقد أنشأت جهازا منفصلا للرقابة المالية، ورئيسه بدرجة وزير يعين بمرسوم سلطاني، يقوم بالمراقبة والإشراف على وزارات الدولة ومؤسساتها، على أن يقدم تقريره بصورة منفصلة إلى رأس الدولة. ما سبق يؤكد أن النية الصادقة موجودة، والدليل هو الخطوات المتشابهة في هذا الطريق، إضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انخرطت فيها دولنا في هذا المجال، والتي تهدف لوقف التجاوزات والهدر في المال العام.ما أود قوله إن هناك خطوات أخرى، يجب أن تقترن بالميدان، فاختلاط السياسة بالتجارة كارثة، باتت تؤثر على التنمية ومصداقية الإصلاح السياسي والاقتصادي في دولنا.إن تداخل القرار السياسي بجيب السلطة السياسية لن ينتج قرارات مستقلة، لا ترى إلا الوطن والمواطن.وأعتقد أن شراكة تلك الأجهزة في دولنا يجب أن تفعّل وتنهض في حماية منظومتنا الخليجية الداخلية، على الأقل من باب "إن من استأجرت القوي الأمين". ما أود التأكيد عليه أخيرا، أن النية موجودة، لكنها تحتاج لقرارات جذرية في المراقبة والمحاسبة، بالتأكيد سوف تحمي تلك المنظومة داخليا وخارجيا.