11 نوفمبر 2025
تسجيلفرح في الشارع العربي وخوف في واشنطن وفزع في تل أبيب على وقائع متتالية، ثورات الشعوب العربية ضد أنظمة الاستبداد والتبعية. كانت تونس أولاً ثم مصر تالياً فليبيا واليمن.... وهكذا السبحة تكر. كانت ثورة مصر الجائزة الكبرى للشعوب العربية لأنها أسقطت نظام كامب ديفيد (الساداتي ـ المباركي) الذي كان قائماً على ثنائية الاستبداد في الداخل والتبعية للخارج (أمريكا + إسرائيل). بسقوط مبارك ونظامه سقط "محور الاعتدال" شبيه "حلف بغداد" الذي أسقطته ثورة 23 يوليو. ثورة 25 يناير ليست نسخة عن ثورة 23 يوليو. الأخيرة بدأت حركة انقلابية سرعان ما تبنى الشعب مشروعها الثوري. بينما ثورة 25 يناير قامت بالشعب ثم تبناها الجيش. لكن بين ثورتي 23 يوليو و25 يناير وشائج مشتركة متأصلة في مسار المشروع الوطني التحرري النهضوي الذي خطته ثورة 23 يوليو وانقطع بانقلاب السادات المضاد الذي قيد مصر باتفاقية كامب ديفيد التي بموجبها خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وبطل دورها الريادي ـ القيادي في عالمها العربي. ثورة 25 يناير أعادت الروح إلى مشروع التحرر النهضوي بوعي الحاضر وبأدوات عصر شباب الفيس بوك والتويتر والجزيرة وبرؤية مستقبلية لدوله القائمة على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية منظومة بخيط الكرامة الوطنية الجامع على قدم المساواة لكل المصريين في سبحة المواطنة. وليس من دون دلالة أن أغاني عبدالحليم الوطنية كانت الأغاني المفضلة لشباب ميدان التحرير. لكن جمهورية ثورة 25 يناير لن ترفع شعارات الجمهورية الناصرية. ولن تتبنى الأيديولوجية القومية الناصرية. فلكل زمان دولة ورجال. إلا أن مصر في جمهورية ثورة 25 يناير سوف لن تكون إلا مصر الحرة العربية المناهضة للهيمنة الأمريكية والعربدة الإسرائيلية. ليس بالضرورة أن تلغي معاهدة كامب ديفيد أو أن تناصب واشنطن العداء. يكفي أن مصر ثورة 25 يوليو لن تكون طرفاً في "محور الاعتدال" ولن تقفل على فلسطيني غزة بالضفة والمفتاح وتبيع الغاز والنفط لعدو الأمة، ولن تتخاذل عن أداء واجبها القومي في نصرة القضايا العربية. والأمر نفسه ينطبق على تونس الثورة وليبيا الثورة (بعد الخلاص المحتوم من القذافي ونظامه) وغيرها من ثورات العرب القادمة، التي تبهج الشارع العرب وتغيظ إسرائيل وأمريكا. الأمريكان أدركوا وهم يواجهون الثورة المصرية، بعد الثورة التونسية، أن مبارك سوف يلحق بابن علي وأنهم معرضون لفقدان مصر "جوهرة تاج الهيمنة الأمريكية" على الأمة العربية منذ هبط السادات مطار بن غوريون. منوا النفس ببقاء مُبارَكهم، لكنهم، إذ تأكد لهم سقوطه المحتوم، تخلوا عنه وضغطوا عليه كي يرحل. ثم انكبوا على استبصار مصير إستراتيجيتهم بعد وصول حكم مصر إلى شعبها. ليس معروفاً إلى ماذا توصلوا؟! غالبا لم يتوصلوا ولن يتوصلوا إلى شيء يضمن لهم نظاماً قادماً تابعاً لسياستهم الإستراتيجية في المنطقة. وليس بمقدورهم أن يجترحوا معجزة تتيح لهم جعل النظام المصري القادم ديمقراطيا في الداخل وتابعاً لهم في الخارج. إذ أن النظام الديمقراطي الحقيقي قرين الوطنية كونه يستمد شرعيته من إرادة الشعب. أما في تل أبيب فقد نزلت ثورة تونس ثم ثورة مصر (وها هي ثورة ليبيا) على بني إسرائيل منزلة الزلزال التاريخي المُزعزِع لمعنى وجودهم في وجود العرب. ليس لأن ثورات العرب، وثورة مصر على الخصوص، قد تأتي بنظام سياسي يطابق نظام إيران، أو حتى يتشبه به في صورة حكم الإخوان المسلمين، كما تروج الدعاية الصهيونية، وإنما لأنها (ثورات العرب) تؤسس لأنظمة وطنية ديمقراطية تنتهج شرعيتها ومشروعيتها من إرادة شعوبها ومصالحها ورغباتها المناهضة بالضرورة لدولة اليهود الصهيونازية. إن إسرائيل وحدها بين دول العالم عملت حتى اللحظة الأخيرة على إنقاذ مبارك من السقوط. بحيث توجهت إلى العالم محذرة، علناً، من خطورة سقوط مبارك ونظامه على "السلام" دون أن تقول إنها (إسرائيل) وحدها، وإليها مقاطعتها الأمريكية ما وراء المحيطات، الخاسران من سقوط مبارك ونظامه. إذ أن بقية دول العالم، بما في ذلك أوروبا، لا يمانعون في التعامل مع مصر حرة ديمقراطية ذات سيادة. لقد كان خوف الإسرائيليين من اختفاء مبارك كما كتب محلل صهيوني: " مثل رجل يوشك أن يفقد المرأة التي نكل بها سنين، وآنذاك فقط يعرف في تأخر آثم قيمتها.". ويقصد بذلك بغض النظر عن وقاحة تشبيهه أن إسرائيل نكلت بكرامة مصر باسم السلام. ويذكر على سبيل المثال عجرفة ليبرمان الذي اقترح قصف سد أسوان بالسلاح النووي. وها هي إسرائيل تفقد مصر "كامب ديفيد" بعد سقوط حسنى مبارك ونظامه. إلى درجة أنها تنطوي على نفسها في خوف من الآتي. الخوف ليس فقط من إلغاء الحكم الناجم عن فعل الثورة الشعبية لاتفاقيات كامب ديفيد. لكنه في الأساس خوف من أن تصبح مصر ديمقراطية لأن عند ذاك تغدو سياستها الخارجية مرآة عاكسة لإرادة شعبها مصدر الشرعية. وحيث الشعب المصري ضارب جذوره التاريخية في ثنائية العروبة والإسلام ـ الهوية الوجودية المتنافرة تنافر السالب والموجب مع وجود إسرائيل الاغتصابي. ثم هو خوف من تجدد نهوض مصر، وبالتالي العرب، في مشروع عربي قومي ديمقراطي حداثي يتشكل في منظومة جامعة دول عربية ديمقراطية تقطع نهائيا مع فضيحة جامعة الدول العربية صنيعة أنظمة الاستبداد والتبعية، وتفرض على الولايات المتحدة الأمريكية أن تميل بمواقف سياستها الخارجية لصالح القضايا العربية نزولاً عند ثقل مصالحها الإستراتيجية الحيوية عند العرب مما يفرض عليها التخلي عن انحيازها التبعي لإسرائيل التي فقدت قيمتها الإستراتيجية لأمريكا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة. وذلك جوهر الفزع الإسرائيلي من مستقبل الثورات العربية.... ويبقى في النهاية رعب بني صهيون الأكبر من أن حقبة صراعهم التقليدي مع أشكال النظام العربي الرسمي المعتاد منذ العام 1948 انتهت. ليدخلوا في حقبة صراع مستقبلي مع الشعوب العربية وقد امتلكت حقها في تقرير مصيرها الديمقراطي. [email protected]