09 نوفمبر 2025

تسجيل

النسوية البيئية 1

18 فبراير 2013

قلت لصاحبي المتخصص في الدراسات البيئية: هلا حدثتنا عن النسوية البيئية؟ قال: حباً وكرامة، ولكن هذا يستدعي الرجوع إلى النسوية الجديدة، التي ترى أن هناك ثلاث مقهورات "المرأة والطبيعة وشعوب العالم الثالث"، وربطت النسوية بين تلك الثلاث بسلطة الرجل الأبيض المركزية، وترى أنه لابد من ظهور فلسفة تنقض تلك المركزية الجائرة وتقر بقيمة تلك الأطراف وحقوقها، وبالتالي تصون الحقوق التي أهدرت للمرأة وللطبيعة ولشعوب العالم الثالث. فإن من الممكن فهم تلك المقهورات الثلاث من وجهة نظر المرأة في الدول التي استعمرت من قبل، لكن كيف يتم فهم هذه النظرية من قبل المرأة الغربية التي لم تخضع للاستعمار؟ وكاتب السطور يخالف هذا الرأي في مسألة عدم خضوع المرأة الغربية للاستعمار، بل إنها كانت طرفاً للاستعمار ومعها أوروبا كلها. صور توفيق الحكيم في مؤلفه "عصفور من الشرق" أن قارة أوروبا الشقراء الجميلة تتمرد على أبويها (آسيا وإفريقيا) وتقيدهما بالقيود بل وتستعمرهما. كما صور نجيب محفوظ في روايته "زقاق المدق" القوَّاد إبراهيم فرج، الذي أجمع النقاد على أنه يمثل الاستعمار، ومركزية السلطة الذكورية لا يبالي بأهمية وجود المرأة. بينما كانت حميدة تمثل مصر المحتلة المهيضة الجناح (على عكس الشقراء الجميلة المتمردة). تلك الأطروحات التي اصلتها النسوية الجديدة تحتاج إلى محاولة تفكيكية حتى نقف على المضمون الحقيقي، فالنسوية البيئية غايتها الدفاع عن البيئة ومقاومة التلوث، ونشأت هذه الحركات الايكولوجية نتيجة الوعي بالمخاطر التي تعرضت إليها البيئة في الحضارات المصنعة، ثم تحولت هذه الحركات إلى جمعيات وأحزاب سياسية في أوروبا في ثمانينيات القرن المنصرم وانتقلت منها إلى دول وبلاد العالم. وجدير بالذكر أن مفهوم الأيكولوجيا ارتبط بعلم البيولوجيا، وسرعان ما نما هذا العلم وتطور ليكتسح ميادين ومجالات جديدة وينفتح على اختصاصات علمية وطبيعية كثيرة، فمجال هذا العلم واسع جداً، وهو يشمل اختصاصات متنوعة. أول من صك مصطلح، النسوية البيئية، فرنسواز دوبين في كتابها "النسوية أو الموت" في عام 1974 ويتفق أنصار هذا التيار على وجود روابط مهمة بين السيطرة على النساء والسيطرة على الطبيعة، وعلى أن فهم هذه الروابط ضروري للمذهب النسوي، والغرض من وجود التيار النسوي المهتم بالبيئة هو إبراز وجود السيطرة المزدوجة على المرأة والطبيعة وتوضيح طرق هذه السيطرة وإجراء التحليلات والممارسات التصحيحية متى كان ذلك ضرورياً. وقد بدأت "الايكوفمنزم" كحركة اجتماعية معنية بقضايا اضطهاد المرأة والطبيعة في آن، لتتحول إثر ذلك الربط الموضوعي بين الحركتين إلى حركة تحررية كبرى صارت تعنى بمناهضة كل ما يشي بالتفرقة أو الاضطهاد العرقي أو الطبقي أو البيئي. هذا وللحديث بقية إن شاء الله.. وبالله التوفيق.