16 نوفمبر 2025

تسجيل

مصر... تنزيل الثورة من الإنترنت

18 فبراير 2011

من كان يصدق سقوط طاغيتين عربيين في أقل من شهرين. هرب بن علي يوم 14 يناير الماضي وتنحى مبارك يوم 11 فبراير الجاري. طاغيان عتيدان سقطا بثورتين شعبيتين جاءتا فوق كل توقعات التحليلات السياسية والاستخباراتية وأحزاب المعارضة وقادتها وهو ما يحيل إلى شعر أحمد فؤاد نجم: " إن حس الشعب يسبق أي فكر وأي صوت.". من قصيدته "كل ما تهل البشاير" التي كتبها في مديح انتفاضة 18 و19 يناير 1977 المجهضة. ثورة 25 يناير 2011 أُنزلت (Download) بفعل شبيبة الفيس بوك والتويتر والسكايب من الواقع الافتراضي إلى الواقع الواقعي في موعد معين وأمكنة تظاهر محددة، لتصبح فعل الجميع بالجميع لصالح الجميع. ثورة تونس أشعلتها حادثة بوعزيزي. وهي وإن طردت بن علي وعائلته خارج البلاد إلا أن بقايا نظامه لا تزال معششة في رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان والدستور. بينما ثورة مصر أسقطت النظام برئيسه ونائبه ومجلسي شعبه وشوراه وتعطيل العمل بدستوره بعدما تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد نحو بداية جديدة في صفحة بيضاء تمثل قطيعة جذرية مع الدولة الاستبدادية. وما يطمئن (مبدئياً على الأقل) أن جيش مصر أثبت أن عقيدته راسخة في قيم حركة 23 يوليو الوطنية إذ انحاز، وإن بعد مناورات التفافية، لإرادة شعبه معلناً بشكل واضح أنه ليس "بديلاً عن الشرعية". وهو ما يُفترض أنه سوف يقوم، كسلطة عليا مؤقتا، بدور الحارس ـ الضامن لإجراءات عملية انتقال السلطة منه إلى حكم مدني بواسطة آليات ديمقراطية مطابقة للمعايير العالمية في إطار خارطة طريق ذات معالم واضحة وجدول زمني محدد... وهنا يطرح السؤال: هل يمكن الجزم أن مهمة التحريريين (من ميدان التحرير) لتحرير مصر من مبارك ونظامه انتهت؟! وأن الجيش سوف يفي بتعهداته المتوالية في بياناته؟! في ظني أن الثورة المصرية، التي بدأت شبابية وصارت شعبية، لا تزال في سطرها الأول من صفحتها البيضاء. سقط الرئيس فسقط النظام كما أراد الشعب. نقطة من أول السطر. ثم بعد؟! عملياً، أو قل تكتيكياً، لم يعد للاعتصام الجماهيري اليومي في "ميدان التحرير"، وغيره من ميادين مصر، من ضرورة ثورية (على الأقل مؤقتاً). كل مصر باتت ميدان تحرير بعدما غدت الثورة حياة عامة. وبالتالي فإن مهام الثورة المتبقية، في مرحلة الانتقال إلى نظام سياسي جديد يعكس إرادة الشعب ويلبي مطالبه، تحتاج إلى أساليب ووسائل سياسية ومجتمعية مدنية تنظيمية لحماية الثورة وتنظيم تظاهرات مدروسة عند اللزوم للضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحقيق مطالب التحول الديمقراطي في مرحلة ما بعد سقوط الطاغية، الذي لم يقض على نظامه بالتمام بعد. فلا تزال بقايا قضيضه هنا وهناك: في حكومة تصريف الأعمال وأباطرة الفساد وجهاز أمن الدولة وبقايا الحزب الوطني، في ظل سريان قانون الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات السياسية مع استمرار اعتقال السجناء السياسيين... وربما هناك داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يزال بقايا حراس قديم يطمحون إلى صياغة نظام جديد لا يقطع تماما مع القديم أو يتصورن أن الشرعية آلت إليهم كما كان الحال مع ضباط حركة 23 يوليو 52، قافزين على حقيقة أن ثورة 23 يوليو قامت على انقلاب عسكري احتضنه الشعب بالترحيب والامتنان، بينما خرجت ثورة 25 يناير من رحم ميدان التحرير. وبالتالي فإن الشرعية هذه المرة بيد الشعب وعلى الجيش أن يؤدي مهامه الوطنية بما تمليه عليه الشرعية الثورية بقيادة شبانها التحريريين، الذين لا تزال أمامهم تحديات جسيمة يواجهونها حتى يصلوا بمصر إلى مستقرها الراسخ في جمهورية ثانية: حرة ديمقراطية ملتزمة بالعدالة الاجتماعية لا تعلق بها شائبة من طبائع الاستبداد والفساد أو التبعية للهيمنة الأجنبية. ويبقى أنه يحق لشعب مصر العظيم الفرح العميم والافتخار المنتصر.. فها هي مصر تعود قائدة رائدة لحركة تحرر أمتها من الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية. ولبقية العرب، شبيبتهم تحديداً، أن يردوا على الهدية العظيمة التي تلقوها من شعب مصر، من الشبان التحريريين تحديداً، بمثلها. أي أن يتحرروا ويحرروا شعوبهم من أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية..... [email protected]