11 نوفمبر 2025

تسجيل

اليابان من الدمار إلى الإعمار

17 نوفمبر 2021

صراع النفوذ لايُفرّق بين دين أو عرق أو لون كل ما يهمهم كيفية السيطرة بأي طريقة كانت دون أن يكون هناك أي رادع أخلاقي أو إنساني والشعار هو "البقاء للأقوى"، والتركيز على هدف واحد هو كيف أسيطر على هذا البلد أو ذاك؟ في اليابان من العام 1945 كانت الحرب العالمية الثانية على أبوابها، وفي التاسع من شهر أغسطس سنة 1945 وفي حدث عالمي حينها تم قصف مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانية بالقنبلة النووية الأمريكية، لتعلن عن أكبر مأساة تاريخية حينها خلّفت دمارا وخسائر في الأرواح وخسائر مادية في الممتلكات وأعلنت اليابان استسلامها رسمياً، لم تكن تلك المأساة نقطة النهاية، بل عادت اليابان اليوم بفضل ثقافة العلم بين أبنائها منذ الصغر وتعليمهم أمورا وأسسا ساعدت في نهضة اليابان الحديثة كما نراها اليوم، أحد أقوى البلدان اقتصادياً و رياضياً و تكنولوجياً وعلمياً أيضا، لقد زرعوا بين أبنائهم ثقافات مختلفة تستحق أن تُدرّس لم تكن نهضة الشعب الياباني شيئا من الصدفة بعد الحرب، بل أصبحت واقعاً جميلًا وقوة يُضرب بها المثل، فالتعليم في اليابان أبداً لم يكن بعد الحرب كما كان قبلها، بل أصبح الطلاب هم كنز اليابان الحقيقي والوقود الذي يزوّدهم من أجل أن يجعل نجاحهم في استمرار، فالطلاب في اليابان لايذهبون للمدرسة لأنه مجرّد روتين يومي ويعود الطالب الى منزله دون أن يستفيد أي شيء، بل تم اعتماد نظام تدريسي هو الأكثر نجاحاً في العالم، لديهم مادة أساسية للأطفال نرى أن اليابانيين لهم من اسمها نصيب وهي مادة " الطريق إلى الأخلاق "، الطريق بمفهومه طويل والأخلاق غرسها ليس بمستحيل، ومضمون هذه المادة تعليم الطلبة الأخلاق بمفهومها والعمل اليومي على تطبيقها في حياتهم اليومية بمضمونها، وكيفية تطبيق ما تعلّموه في المدارس مع تعاملهم واختلاطهم بالآخرين في حياتهم اليومية في مجتمعهم، في اليابان لا يوجد للطلاب من الصف الابتدائي الى الثالث الإعدادي شيء يسمى "الرسوب "، عليك أن تتصور وتتساءل لماذا لايوجد رسوب في هاتين المرحلتين الإبتدائية والإعدادية خاصة؟ لأن هدفهم بكل بساطة بناء جيل قوي لايعرف الهزيمة أو الإخفاق أو التوتر أو الإحباط، فمجرد أن الطالب يشعر بأنه يوجد احتمال في" الرسوب " يوما ما خاصة في مرحلة النشء والتأسيس، سيكون مشغولاً بحفظ المنهج فقط دون تطبيق مضمونه، لكن عندما يعلم أن مسمى "الرسوب" لا يوجد في قاموسه خاصة في مرحلة بناء شخصية الطفل، فيكون واثقاً من نفسه ومن قدراته وتكون مرحلة بناء الصفات الشخصية وغرس مفاهيم الأخلاق أسهل وقد لامست الطلاب وزُرِعت بداخلهم، أما الدرس الثاني فبالرغم من أن اليابانيين من أغنى شعوب العالم، إلا أنهم لايعتمدون إطلاقاً على العمال والمربيين المنزليين واعتماد تربية الأطفال فقط من قبل الوالدين، فمن المستحيل أن تحرص المربية المنزلية على تعليم أبنائنا ما ينبغي عليهم إدراكه من قيم أخلاقية بإخلاص وأمانة في هذه المرحلة الا من رحم ربي، خاصة أن الأطفال في مرحلة الطفولة الى سن المراهقة لا يستمعون بل يقلِّدون، واذا كان الوالدان منشغلين، فمن سيقلد الأطفال؟ سيقلِّدون بالتأكيد من يلازمهم يومهم كله بالطبع، لن تكون النتيجة كما يتمنى الوالدان من صفات لأبنائهم تماماً، حفظ الله أبناءنا جميعاً، درس آخر ياباني جديد في كيفية سلوك الطلاب في مدارسهم، لكي يزرع اليابانيون التواضع في أبنائهم وتحسين سلوكهم وحب بلدهم والمحافظة على ممتلكاتهم العامة كأنها ملكهم الخاص قبل ممتلكاتهم الخاصة، اعتمدوا هذا السلوك أن يتم تنظيف المدارس يومياً مدة نصف ساعة من قبل جميع الطلاب دون استثناء مع جميع طاقم المدرسة من معلمين وغيرهم، ولذلك نرى الجيل الياباني متواضعا ودقيقا في المحافظة على النظافة في الممتلكات العامة والخاصة، الجانب المهم أيضاً فالأطفال يمارسون الرياضة في المدرسة للمحافظة على صحتهم الجسدية والتعوّد على ممارسة الرياضة، أما الإدارة المدرسية للطلبة اليابانيين فإنهم يتذوقون الأكل قبل تقديمه وذلك من أجل إيصال رسالة للطلاب بأنه كنز اليابان والإيحاء بالاهتمام بهم وحمايتهم وسلامة الطعام لأنهم مستقبل نهضة اليابان ويشعر الطالب بأن له أهمية من قبل المعلمين والمعلمات مما يعزز ثقة الطلبة بأنفسهم، وأما السلوك العام لليابانيين لايتم السماح باستخدام الهواتف النقالة في الأماكن المغلقة لاحترام "عدم ازعاج الآخرين" ويتم وضع الهاتف بوضعية الصامت التي تسمى لديهم " الأخلاق " وكم هي الأخلاق عندما تطبق عظيمة!، أما المطاعم في اليابان يتم طلب الطعام على قدر الحاجة دون زيادة أو تبذير، أما في الانضباط واحترام الذات ودقة الوقت فإن المواصلات العامة كالباصات والقطارات العامة معدّل التأخير في العام الواحد لايتجاوز تقريبا 10 ثوان يعني أقل من دقيقه واحدة، كل ما نراه في اليابان لم يكن في يوم وليلة بل منهج الأخلاق غُرس للأطفال لسنوات نشأتهم مما جعله ينعكس إيجاباً في سلوك اليابانيين وجعل بلدهم يُطلق عليه من باب المفاخرة " كوكب اليابان "، رسالتي أول العيب أن نعيب ما ليس بعيب، ليس عيبا أن تكون اليابان نموذجا يحتذى به، فاليابان مثال في النهضة بعد الانكسار، مثل ما رأينا كل تركيزهم ورهانهم كان "تعليم أطفالهم وبناتهم " في مرحلة النشء والطفولة وفي مدارسهم هي الأخلاق، وكما قال رسولنا عليه أفضل الصلاة والتسليم (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )، "الأخلاق" وحدها أقوى سلاح يجعل البلد قوة عظيمة لا تُقهر، فكيف عندما نغرس في أبنائنا الطلبة الأخلاق وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والقرآن الكريم وتعليمهم القيم منذ الصغر سيكون هذا النموذج هو النجاح الحقيقي كما أتمنى أن ينتقل تطبيق هذا النموذج التعليمي الأخلاقي في كل أوطاننا العربية والإسلامية، فالنجاح ليس له حد، فقط التركيز على أبنائنا الطلاب والطالبات "بارك الله بهم" والتركيز على تربيتهم الأخلاقية هو الكنز والرهان الحقيقي والسر الظاهر الباطن في تطور اليابان السريع، واذا تم تطبيقه سنرى جيلا لا يعرف المستحيل. عنوان التواصل الاجتماعي @fyicl