07 نوفمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون.. بين الأيديولوجية العامة والوطنية الخاصة

17 أكتوبر 2012

قبل يومين وفي معرض مناقشة موضوع تحت عنوان "الإسلاميون بين الأيديولوجية والوطنية" حاورت عبر إحدى المحطات الإذاعية – دكتورا - مقيما في لندن ولديه مركز دراسات ويصنف في الإسلاميين.. ادعى أن الرئيس المصري " مرسي " ومعه جماعة " الإخوان المسلمون " ومثله الرئيس التركي " أردوغان ".. لا يمثلون الإسلام في شيء؛ وقريبا من وصمهم بالكفر والخروج من الملة قال: هم ليسوا إسلاميين وما هم إلا " علماسيون " يقصد نحت مصطلح يصفهم به يجمع العلمانية والإسلامية.. متداخل آخر من فلسطين تبنى مقولات المتحدثين باسم أحد التنظيمات الفلسطينية العلمانية ضد حماس والمقاومة فادعى أن الإسلاميين لا يؤمنون بالوطنية ودلل على ذلك بأن حماس لا تؤمن بالتمثيل الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنها سعت للانقسام باكرا منذ بدايات الانتفاضة الأولى.. وأقول: أولا وتعليقا على هذين المتداخلين: يبدو أن بعض الناس يخلطون بين ما هم عليه من حقيقة صغيرة هم يرونها كبيرة وبين الأفكار الكبيرة والمعاني المثالية والمطلقات المحترمة. فيصبحون بعد فترة وبعد صراعات للدفاع عن هذا الادعاء على وهم أنهم يمثلون هذا الشيء الكبير من الأفكار وهذه المثالية في المواقف في حين أنهم على الحقيقة لا يمثلون إلا أنفسهم وفهومهم المحدودة ونظرتهم الجزئية وأنهم مجرد أشكال خارجية أكثر منهم الحقائق التي يدعون.    ثانيا: وأما أن مرسي والإخوان وحماس وأردوغان لا يمثلون الإسلام وأنهم "علماسيون"، فالقضية ابتداء ليست قضية شخص مشوه الفكر نرد عليه، ولا هي من أجل الدفاع عن أشخاص من تطاولهم باتهاماته؛ ولكنها وعلى الحقيقة لتصفيف المعادلة بطريقة صحيحة وبسيطة.. فالتحدي اليوم على فهم الإسلام، وعلى منهجية وموضوعية تنزيله على الواقع، والتحدي حول مواجهة ما يترتب على مواقف هؤلاء المبتسرين مما قد يودي بصورة الإسلام كله إذا لم نحسن إرجاعهم لقراءة صحيحة وموضوعية للإسلام ثم الترويج له.. لقد رأينا من هؤلاء الظانين أنهم إسلاميون وأنهم ممتازون متفوقون على غيرهم من يفجر عاصمة بلده ويقتل الصالحين والوطنيين ومن دونهم، ورأينا منهم من يلعق دماء المجاهدين الخلص قبل أن يمس دماء الصهاينة والمعتدين والمحتلين في ذات البلاد.. وعليه فالقضية تستحق الاهتمام والتركيز.  ثالثا: وفي الرد على ذلك الإسلامي المتداخل من لندن أقول ولا أدري ما الإسلام الذي يريده: فإن كان يريد أن الرئيس المصري وحماس وأردوغان غير مسلمين.. فذلك لا يقوله إلا مبطل جائر وسفيه جاهل؛ فظاهر القوم – وهو ما بيننا وبينهم - يقيمون الشعائر وتلك بيوتاتهم من أحسن البيوت، وما منهم إلا داعية قضى زهرة شبابه وسنوات وسنوات من عمره في سجون الطواغيت وفي العمل المجتمعي والسياسي وغيره في نصرة الإسلام وخدة أبناء وطنه.. فهل لأحد أن ينفي عنهم الإسلام في أشخاصهم أو أفكارهم أو صفاتهم بعد ذلك؟ وأما إن كان يعتبرهم مسلمين ولكنهم مقصرون في تحكيم الشريعة.. فهم يسعون لذلك ويواجهون في سبيله منذ ولوا الحكم " العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " ولكن.. أليس من منهج الإسلام ومن الحكمة أن يمرحلوا أهدافهم؟ وألا يخوضوا بالإسلام ما لا يلزم من المعارك العمياء؟ وهل من الضروري أن يستفزوا الناس في كل كلمة يقولونها؟ وهل عليهم أن يحسموا كل معارك الإسلام والوطنية المتراكمة منذ مئات السنين بين عشية وضحاها؛ في حين أن مجرد وصولهم للحكم لا يزال وربما سيبقى لسنوات موضع تردد واعتراض!؟  لا أدري كيف لمثقف فضلا عن أن يكون " إسلاميا " يفترض أنه يستقي الحكمة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والميراث الحضاري للأمة.. كيف له ألا يفهم مرحليات الدعوة والدولة التي كانت ألف باء التخطيط النبوي الكريم!!  رابعا: أما ذاك من فلسطين الذي اتهم الإسلاميين وحماس تحديدا باللاوطنية ودلل على ذلك بأنهم لا يؤمنون بالمنظمة.. إلخ.. فما أسرع ما نسي أو تناسى التاريخ القريب الذي سطر فيه الإسلاميون أروع آيات التضحية والفداء الوطني! ونسي أن حماس قدمت في نصرة الوطن قادة الصف الأول - المؤسس أحمد ياسين، والصقر الرنتيسي، وعضو مكتبها السياسي إسماعيل أبو شنب، ومفكرها إبراهيم المقادمة، وقائد الكتائب صلاح شحادة، والوزير سعيد صيام، والعلامة نزار ريان.. سوى الآلاف الذين قضوا ولم يغيروا ولم يبدلوا عما انطلقوا به منذ اليوم الأول، أليست هذه قمة الوطنية؟ وهل يسوّى بهم أولئك الذين تسمنوا على القضية ونهبوا المليارات من أموال الثورة أو تزوجوا الفنانات أو قتلوا أمام الفنادق في باريس وغيرها؟ ثم هل المنظمة في عافية حتى يكون من لا يؤمن بها خارجا على الوطنية؛ أم أن كل الفلسطينيين – طبعا سوى صاحبنا والذين يفهمون الوطنية على طريقته – يعتبرونها بيتا آيلا للسقوط ويطالبون بإصلاحها وتفعيلها بما في ذلك أبناء فتح ذاتها مع أنهم أكثر المنتفعين بها ومنها؟ وأما أن الإسلاميين سعوا للانفصال؛ فهو يعلم والشعب الفلسطيني أيضا يعلم أن الذي انفصل عن الشعب والوطنية هم أولئك الذين - وخلافا للميثاق الوطني الفلسطيني - اعترفوا بدولة العدو، وأقاموا مع العدو التنسيقات الأمنية والسياسية، والذين التفوا على الانتفاضة الأولى بل وعلى وفدهم المفاوض وعلى رئيسه حيدر عبد الشافي يوم وقعوا في أوسلو اتفاقيتهم البائسة، والذين انقلبوا على انتخابات الـ2005 وشكلوا فرق الموت ونشرت مجلة " فانتي فير " الأمريكية فضائح مؤامراتهم مع " الجنرال الأمريكي دايتون " على حكومة الوحدة الوطنية.  فإن عدنا بعد هذا التطويح في الرد وإبراز الحقائق للإجابة عن السؤال: هل من تعارض بين الإسلامية كأيديولوجية عامة والوطنية كانتماء خاص.. أقول: ولماذا يقع وهم التعارض هذا أصلا؟ ألم تحتمل دولنا وشعوبنا وثقافتنا المعاصرة وجود الاتجاهات اليسارية والليبرالية والقومية داخلها وكلها اتجاهات أيديولوجية لها صبغة عمومية عالمية؟ ولماذا لم تتهم هذه الاتجاهات بعدم الوطنية بسبب تلك الصبغة؟ ولماذا يتهم باللاوطنية الإسلاميون فقط من دون كل الاتجاهات؟ ألأنها (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)، أم لأن خصومهم ينطلقون من كراهية الدين ذاته؟  الحقيقة أن الإسلاميين – إذا تجاوزنا عن حالات فردية وتمثلات شاذة - هم أكثر الناس والاتجاهات تقبلا للآخر الوطني واستعدادا للتقاسم معه.. رأينا ذلك في فلسطين يوم فازت حماس ونراه اليوم في مصر وفي تونس وفي المغرب ورأيناه من قبل في تركيا.. والأمر ليس مسايسة ومجاملة أو مجرد تكتيك؛ بل يتعدى ذلك ليكون مبادئ وأفكارا تسطر في الكتابات وتدبج في الاتفاقات وتتجسد في التحالفات وتؤصل في المناهج التي يتربى عليها الإسلاميون.  الحقيقة أيضا أن الخطر الحقيقي على الوطنية لا يأتي من الإسلاميين؛ ولكن ممن يدّعون الوطنية من عملاء الاحتلال ومتعقبي المقاومة الذين يتخلون عنها باسم الاعتدال ويذبحونها بدعوى الالتزامات الموقعة.  آخر القول: الحقيقة أن وضع الاتجاه الإسلامي في مناقضة متوهمة مع الوطنية أو مع الاعتدال أو مع الانفتاح أو مع خصوصيات الشعوب هو وضع لا يقوم على ساق ولا يستند لسياق، وبقدر ما إن على من يتهمون الإسلاميين ذلك أن يفهموا الإسلام والواقع والمصالح الكبرى للأمة وأن يحسنوا الظن وأن يلتزموا المنطق؛ فإن على بعض الإسلاميين ألا يعطوا بأقوالهم وبسارة فهمهم وعسارة مسلكهم الدليل على صحة هذا الوهم..