08 نوفمبر 2025

تسجيل

أحزاب دينية متى وكيف؟

17 أغسطس 2020

الذي أعتقده أن المسلمين اليوم بحاجة إلى إظهار الجانب الاجتماعي الإنساني للإسلام أكثر من أي جوانب أخرى عقيدية، كلنا يدرك كيف انتشر الإسلام في بقاع الأرض البعيدة نتيجة لاتصال المسلمين وتجارتهم وسلوكياتهم بشعوب تلك المناطق، كل عقيدة كانت هي بالضرورة تحمل جانباً اجتماعياً، وبلا شك هو أقوى الجوانب التأثيرية فيها، سمعنا كثيراً من القصص لأناس دخلوا الإسلام وانصدموا عندما رأوا سلوكيات المسلمين بعد ذلك. اعتناق العقيدة دون بعدها الاجتماعي الإنساني يجعل منها بؤرة طاردة، كثير من المتشددين اليوم يطالبون السماح بإنشاء أحزاب دينية إسلامية في عالمنا العربي والإسلامي والحالة على ما هي عليه ويضربون أمثالاً بأحزاب أوروبا المسيحية ويتغافلون أو يجهلون أن الدين المسيحي منذ الإصلاح الديني في القرن الثامن عشر قد فصل بين السياسة والدين، وأن سبب بقاء الأسماء الدينية لهذه الأحزاب هو البعد الاجتماعي بمعنى أن بنيتها اجتماعية وليست عقيدية، كما أنه تاريخياً كان لمحاربة الشيوعية دور في إضفاء الاسم الديني عليها واستغلال الدين للتنفير من الشيوعية ولكنها في الأساس علمانية، فاختزال البعض للنتيجة ومطالبته بالمماثلة مع الغرب جهل مركب. لقد أجاز الحزب المسيحي الإيطالي الطلاق في أوائل السبعينيات، كما أجاز الإجهاض بعد ذلك وهو على بعد أمتار من الفاتيكان ويحمل اسم المسيح وإيطاليا الدولة المسيحية الكاثوليكية الأولى في العالم. فأحزاب أوروبا المسيحية اليوم اجتماعية البنية تاريخية المسمى نظراً لدور الكنيسة التاريخي في محاربة ما يهتك الدين من آفات، لذلك تجد أسماءها مركبة من المسيحية التاريخية والديمقراطية المنجزة. فلو تخيلنا افتراضاً قيام حزب إسلامي ديمقراطي في إحدى دولنا العربية فأين حظه من اسمه، الإسلام لا يزال أصحابه يفعلون به الرزايا بينهم البين، بل وتحول إلى ثنائيات سنة وشيعة، نواصب وروافض، والعقائد تتكور داخل النفوس لتتحول إلى قنابل ومتفجرات، بل إن هناك عدة أصناف، منه إسلام معتدل وآخر متطرف وآخر وسطى وكلها تتعارك لو تكونت كاتجاهات يقبل بعضها الآخر لسهل الأمر الآخر هذه الانشقاقات التي لم يضمد جراحها لا التاريخ ولا الزمن، أما الديمقراطية فحدث ولا حرج ليس لنا من نصيبها سوى اسمها المبتذل. لو رفعنا العقائد إلى مكانها الطبيعي وتخلصنا من الوصاية على الدين وركزنا على ما يدعونا إليه الدين من جانب اجتماعي وإنساني لأمكن التكهن أو التخيل بإمكانية قيام أحزاب دينية اجتماعياً وليس على أساس ديني عقيدي، لأن خطورة تعريض العقيدة للصواب والخطأ سياسياً قد يخرجها من نطاق اليقين إلا في حالة اعتماد برنامج سياسي يترجم مراميها وأهدافها فيصبح التركيز على التطبيق وليس النص. التقدم في هذا المجال مرهون بفهم حقيقي لمهمة الدين في هذه الحياة ومركزية الإنسان كإنسان ودوره الاجتماعي الإنساني في الدرجة الأولى قبل أن يعتنق أي دين.