06 نوفمبر 2025

تسجيل

حتى تستقيم المعادلة؟

17 يوليو 2022

المواطنة حقوق وواجبات، ومن يعتقد دائماً أن المواطنة هي حقوق فقط فإنه يجانب الصواب إلى حد كبير. وكل علاقة تنشأ على قطبي الحقوق والواجبات؛ لا يمكن أن تستقيم على قطب واحد فقط وبالتالي تفقد التوازن وتفتقر إلى العدل. فنحن كمواطنين ننتظر حقوقاً كبيرة من الدولة (كتوفير الاحتياجات الأساسية للعيش بالإضافة إلى كفالة الحرية والأمن والاستقرار) ونطالب بحقوقنا بكل ما أوتينا من قوة وبكل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وهذا لا بأس به إذا كنا نقدم أيضاً ما علينا من واجبات. إن المواطنة هي بمثابة ميثاق شراكة يتقاسمه الوطن والمواطن، ويقوم على أساس التبادل في الحقوق والواجبات، والمساهمة في تحمل المسؤولية وإرساء الحقوق وتطويرها، والحرص على تنفيذ الالتزامات، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة الوطن أولاً ثم المواطن، فالكل فانٍ ويبقى الوطن شامخاً تتعاقب عليه الأجيال، إلا إن الأوطان لا تنهض إلا بفكر وسواعد أجيالها، فإذا ما كان إرساء الحقوق وإنماؤها هي مسؤولية مجتمع، فإن الواجبات بالتبعية ينبغي أن تؤدَّى على أكمل وجه من كلا الشريكين، بالتوافق بين صالح المجتمع ومصلحة الأفراد، فبالمشاركة يتحرر الأفراد ويتحقق التقدم والازدهار والنمو، وذلك في سياق ترسيخ دولة سيادة القانون وتساوي الفرص، وصورة من صور الحداثة والسيادة، فعلى قدر همتك في التجديف يشق المركب طريقه بين أمواج خضم لها زئير لا يرحم في رحلة النمو والتطور، إن ثقافة الأخذ قد بلغت مبلغاً عظيماً في المجتمع، وبدأت تقوض مفهوم العطاء وتحد من توسعه وتأصله في النفوس، وهذا مؤشر خطير لا يمكن إغفاله، فالأخذ كما يتسق مع الحقوق فإن العطاء يتسق مع الواجبات، ولذا لا يجب أن يطغى أحدهما على الآخر فيحدث الاختلال في كفة الميزان، فبينما يقر معظم الناس مبدأ الأخذ أولاً ثم قد يفكر في العطاء، وبينما نرى أن الاتجاه السائد لدى فئة كبيرة من الناس تتمحور في كيفية الاستحواذ أولاً، ثم يعقبه التفكير فيما سيقدم بالمقابل، فماذا لو قلبنا المشهد قليلاً، ليكون العطاء هو الفاعل الرئيسي في المعادلة بينما الأخذ هو نتيجة للعطاء لا سبباً فيه. لنضع أنفسنا في هذا المرأى، والذي يقرر قيمة العطاء كسمة أساسية في التفكير والاعتقاد والتعامل والظن بالآخر، فأنت تعطي قبل أن تأخذ، وتفكيرك قائم على أساس ماذا ستقدم؟ قبل أن تتوقع على ماذا ستتحصل؟ فكيف ستكون انعكاساته على حياتك وطمأنينتك، حيث لن تقلق من شيء باعتبارك مصدراً للعطاء لا مستجدياً له، فمهما كان دورك وموقعك في الحياة فأنت الفاعل فيها بحكم عطائك، فلن تنتظر أيادي الحياة لتمتد إليك، بل أنت من يبسط كفه لها، فينقلب حال أهدافك ورؤيتك في الأشخاص والحياة والعمل والعلاقات والمسؤوليات، من ضيق الأخذ إلى براح العطاء. فما أروع أن تكون سحابة في سماء هذا العالم تجود بهماليل البذل والكرم. وقبل أن نتمسك بالمطالبة بحقوقنا، علينا أن نعي تماما ما علينا من واجبات، فلم تعد تكاليف المواطنة ومسؤولياتها كاملة على الدولة وحسب، بل إن المعادلة لا تستقيم إلا بتكامل طرفيها، ومن هنا جاء الإيمان بضرورة الالتزام بواجبات وحقوق المواطنة وضرورة العمل والمشاركة في التنمية الوطنية، والحفاظ على السيادة الوطنية وصون الحريات واحترام حق الرأي والاختلاف، والحفاظ على المكتسبات وتسخير المقدرات للنهوض بالفرد والمجتمع.