03 نوفمبر 2025

تسجيل

مع أبي الطيب المتنبي في معرض الدوحة للكتاب (2-2)

17 مايو 2024

لفت نظر أبي الطيب المتنبي بعض الصور القديمة التي ظهرت على شاشة مدخل جناح دار الوثائق القطرية فقال لي: أليس هذا سوق كندة بالكوفة؟ وبلطف وحياء أجابت بدلا عني تلك الفتاة القطرية التي وجدناها تعمل في الجناح فقالت له يا سيدي هذا سوق واقف وهو من أشهر الأسواق التاريخية بقطر وما زال محافظاً على ذات النسق القديم، فدخلت في الحوار وقلت له سوف نذهب له غداً مساء يا سيدي. وبينما نحن في تطوافنا نلمح الندوات والمحاضرات والمسابقات ورأينا الأطفال فقال مرافقنا: إن الأطفال قد خصص لهم برنامج مصاحب مقتبس من شعار المعرض لهذا العام (بالمعرفة تبنى الحضارات). لم تفت على فطنة المتنبي تلك المعالم فقال لي: إني لأجد ريح مصر من ها هنا فقلت له صدقت سيدي فهذا سور الأزبكية، حيث رائحة الكتب القديمة وخشيت أن يقول المتنبي قصيدته في كافور الاخشيدي، ولكنه لم يقلها فسعدت بذلك. وجدنا عددا من الشاشات يمكنك من خلالها البحث عن دار نشر او عنوان كتاب فقال لي اكتب اسمي لنرى، فكتبت المتنبي فظهر لنا سبعة وستون عنوانا مختلفا ما بين شعر المتنبي ومن كتبوا عنه في مختلف الفروع الأدبية والنقدية القديمة والمعاصرة، فلو اهدتنا كل دار نشر كتابا واحدا لعدنا إلى مكان إقامتنا بعربة نقل كبيرة تحمل هذه الكتب جميعاً. تسرب خبر وجود الشاعر العربي أحمد بن الحسين الجعفي في معرض الدوحة للكتاب والكل يريد أن يرى هذه الشخصية العظيمة وضاق المسرح الرئيس بالمعرض لما علموا أن المتنبي سوف يقدم ليلة شعرية بعد قليل واستعدت الكاميرات لتنقل الحدث مباشراً. فجلست خلف الكواليس وقال لي مرافقنا من وزارة الثقافة: بالله عليك هل رأيت همة هذا الرجل واعتزازه بنفسه مع تواضعه كذلك مع الجميع هنا اليوم؟ فقلت له: هذه شيمة العربي دوماً فلا غرو. لحظتها كان الحوار قد بدأ فقالت المحاورة الأديبة لأبي الطيب: عرفنا بنفسك يا شاعرنا العظيم فهناك أجيال حديثة لم تقرأ الكثير عنك، فتعجب وقال ومن لا يعرف المتنبي يا بُنيتي فأنشد قائلاً: أنَــــــــــا الذي نَظَــــــــــرَ الأعْمَــــــــــى إلى أدَبي.. وَأسْمَعَــــــــــتْ كَلِمــــــــــاتي مَنْ بهِ صَمَمُ أنَــــــــــامُ مِلْءَ جُفُــــــــــوني عَنْ شَوَارِدِهَــــــــــا.. وَيَسْهَــــــــرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصــــمُ وَجاهِــــــــــلٍ مَــــــــــدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكــــــــــي.. حَــــــــــتى أتَتْــــــــــه يَــــــــــدٌ فَرّاسَــــــــــةٌ وَفَــــــــــمُ إذا رَأيْــــــــــتَ نُيُــــــــــوبَ اللّــــــــــيْثِ بــــــــــارِزَةً.. فَــــــــــلا تَظُـــــــنّنّ أنّ اللّيْــــــــــثَ يَبْــــتَسِــــــــــمُ وَمُهْجَــــةٍ مُهْجَـــتي من هَمّ صَاحِبها.. أدرَكْتُــــــــــهَا بجَــــــــــوَادٍ ظَهْـــــــــرُه حَــــــــــرَمُ رِجــلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ.. وَفِعْــــــــــلُهُ مَا تُــــــــــريدُ الكَــــفُّ وَالقَــــــــــدَمُ وَمُرْهَفٍ ســــــــــرْتُ بـــــــينَ الجَحْفَلَينِ بهِ.. حتى ضــــرَبْتُ وَمَـــــوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ الخَيْــــــــــلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُنــــــــــي.. وَالسّيـفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ صَحبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً.. حتى تَعَجّــــــــــبَ مني القُــــــــــورُ وَالأكَـــــمُ يَا مَــــــــــنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَــــــــــارِقَهُمْ.. وِجــــــــــدانُنا كُلَّ شــــــــــيءٍ بَعدَكــــــــــمْ عَــــدَمُ عدنا وقد بلغ مني التعب مبلغاً عظيماً ولكن هذا الشيخ الشاعر وكأنه كان في نزهةٍ عابرةٍ، وأراد أن يفتح معي باباً للحوار والمؤانسة فقلت له: رويدك يا سيدي فالصباح رباح إن شاء الله وأعطيته ديوانه فقلت له اقرأ هذا وتسلَّ بقية ليلتك هذه فأخذه وضحك وقال لي: غدا إن شاء الله نذهب مرة أخرى لمعرض الدوحة للكتاب فهناك أجنحة لم نزرها اليوم.