14 نوفمبر 2025
تسجيللم يكن المجتمعونَ في القمةِ العربيةِ بالظهرانِ بحاجةٍ لأكثرِ من ثلاثِ ساعاتٍ خرجوا بعدها، ببيانٍ ختامى لا يرقى لمستوى مواجعِ وأحلامِ شعوبِ أمتنا العربيةِ، ولا يصلحُ ليكونَ أساساً لعملٍ عربي مشتركٍ للخروجِ من دوامةِ الانهيارِ الحضاريِّ الشاملِ في بعضِ بلداننا العربيةِ. ولذلك، اتخذَ الرفضُ الشعبيُّ العربيُّ للقمةِ شكلاً جديداً غيرَ معهودٍ هو التجاهلُ التامُّ لها، واللامبالاةُ بنتائجها. فكأنَّ الشعوبَ تقولُ بصمتها إنها أعظمُ وعياً لما يجري، وأكثرُ إدراكاً لمحاولاتِ جرها بعيداً عن قضاياها الحقيقيةِ. 1) فلسطينُ: كانت القضيةُ الفلسطينيةُ حاضرةً في القمةِ كالشبحِ الذي نشعرُ بوجوده لكننا لا نراه ولا نلمسه. فمحمود عباس لم يتحدث عن وجوبِ دعمِ الوحدةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ لمواجهةِ المشروعِ الصهيونيِّ، وإنما تحدث عن حماس بطريقةٍ أسعدت الصهاينة واللاهثين خلفَ التحالفِ معهم من العربِ، وكأنه يقولُ إنَّ أيَّ عملٍ عسكريٍّ ضد غزةَ سيكونُ شرعياً لأنه سينهي حالةً من التمردِ، دون أنْ يشيرَ إلى أنَّ الحفاظَ على غزةَ قويةً هو القوةُ الوحيدةُ للفلسطينيينَ للحصولِ على الحدِّ الأدنى من مطالبهم في صفقةِ القرنِ التي يطبلُ لها البعضُ. ولا يعني بيانُ القمةِ شيئاً ذا بالٍ حين ينصُّ على انَّ القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى حتى إقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصمتها القدسُ الشرقيةُ، لأنَّ هذا الأمرَ يتناقضُ مع الحالةِ الاحتفاليةِ المرحبةِ بالكيانِ الصهيونيِّ، وحالة تجريمِ حماس في دولِ الحصارِ على سبيلِ المثالِ. فكان الواجبُ على واضعي البيان أنْ يتحدثوا بصراحةٍ ليس عن رفضِ قرارِ ترامب الاعترافَ بالقدسِ عاصمة للكيانِ فحسب وإنما تحذير الدولِ التي ستقومُ بالاعترافِ بذلك بعقوبات اقتصاديةٍ وسياسيةٍ، وأن يعلنوا ايقافَ الاتصالاتِ مع الكيانِ لحينِ استجابته للقبولِ بالمبادرةِ العربيةِ على أقلِّ تقديرٍ. 2) اليمن: انتظرنا أنْ يتضمنَ البيانُ الختاميُّ إعلاناً واضحاً عن الالتزامِ بدعم الحكومةِ الشرعيةِ وقواتها وطواقمها السياسيةِ والإداريةِ، بحيثُ تديرُ المناطقَ التي أُخرجَ الحوثيونَ منها. أما الحديثُ عن وحدةِ اليمنِ والحلٍّ السياسيٍّ لمأساته، فهو حديثٌ لا يتفق مع الواقعِ لأنَّ الإماراتِ تقومُ بدورِ المستعمرِ لمناطقَ شاسعةٍ من جنوبه، وتجهزُ ميليشياتٍ عسكريةً تسعى من خلالها لفصلِ الجنوبِ، وتستخدمها في منعِ الحكومةِ الشرعيةِ من التواجدِ فيه. وأيضاً، لا يتفقُ البيانُ مع حالةِ تجريمِ وإضعافِ وعزلِ القوى الوطنيةِ الفاعلةِ في المجتمعِ اليمنيِّ، كحزبِ الإصلاحِ مثلاً، مما يجعلنا نشعرُ بأنَّ التحالفَ يحاربُ الحوثيينَ لكنه يضمنُ لهم شروط البقاءِ في الوقت نفسه حين يزيلُ فعلياً القوى القادرة على الحدِّ من نفوذهم مستقبلاً. ولا نقولُ إلا أنَّ الكلماتِ الرنانةَ لا تنفعُ في تغييرِ الواقعِ الذي يصنعه السلاحُ والمالُ لتقسيمِ اليمنِ. 3) سوريا: كالعادةِ، لم تلامسِ القمةُ أدنى آمالِ السوريينَ منها، فلم يتضمن البيانُ الختاميُّ إشارةً إلى الالتزامِ بمطالبِ الشعبِ السوريِّ في حلٍّ سياسيٍّ يبدأ أو ينتهي برحيلِ النظامِ الأسديِّ، ووجوبِ عودة المهجرينَ والنازحينَ إلى مناطقهم مع التعهدِ بإعمارها، ولم تتم الإشارةُ إلى أنَّ الجرائمَ التي يمارسها النظامُ لا تقتصرُ على استخدامِ السلاحِ الكيميائي، ولا أشارَ إلى احتلالِ الميليشياتِ الكرديةِ الانفصاليةِ لشماليِّ وشرقيِّ سوريا. وإنما وردَ ذكرُ سوريا في جملٍ فضفاضةٍ نفهمُ دوافعها جيداً. 4) قطر: نحنُ القطريين، سعداء بحكمةِ وبُعد نظرِ سموِّ الأميرِ المفدى، لأنَّ عدم حضوره القمةَ أفقدها مصداقيتها وبعدها الأخلاقيَّ. فالسعوديةُ التي رعتها هي إحدى دولِ الحصارِ، ولم يكن ممكناً حضورُ سموِّه بينما لا تتضمنُ بنودُ القمةِ بحثَ حالةِ الحصارِ. ولو كانتِ السعوديةُ جادةً في ما تقوله عن حرصها على التضامنِ العربيِّ لَتضمنَ البيانُ الختاميُّ إعلاناً عن رفعِ الحصارِ، ودعوةً للحوارِ حول كلِّ القضايا الخلافيةِ. لكننا لم نكن ننتظرُ شيئاً من ذلك، فنحنُ أدرى ببيتنا الخليجيِّ المهلهلِ، ونعرفُ ماذا يريدُ البعضُ أن يفعلوا لهدمه.