06 نوفمبر 2025
تسجيللاحظت خلال الأشهر الأخيرة أنني أتوقف أمام كل مرآة تمر بي، ولاحظت أيضا أن ما أراه في المرايا لا يسر خاطري أو يشرح صدري، وكنت من قبل أنظر بازدراء إلى الرجال الذين كلما وجدوا مرآة أو سطحا لامعا عاكسا وقفوا أمامه يعدلون من هيئاتهم ويتغزلون في محاسن أنفسهم في صمت، وفي دورات المياه تجد على الدوام رجالا يكادون يخترقون المرايا برؤوسهم وهم يقتربون منها للتأكد من أن كل شيء تمام التمام، ولأن المرايا تسبب الإحباط فإنني أنصحك بالتوقف عن النظر فيها. فالمرآة سخيفة ولا تجامل وتصفعك بالحقائق في وجهك، هذا بالطبع ما لم تكن من النوع الذي يمارس خداع النفس ويطالع المرآة ويحسب أن صورته المعكوسة عليها هي صورة "يوسف". من آيات العولمة أن التعلق بالمرايا والهوس بالمظهر والوسامة والأناقة والقيافة لم يعد وقفا على النساء، ولا بأس بالطبع في أن يحرص الإنسان رجلا كان أم امرأة على أن يكون حسن المظهر، وفي وسامة وحلاوة أبي الجعافر، ولكن أن يبلغ الأمر مرحلة التزوير فيرتدي رجل تجاوز الستين بنطلون جينز من النوع الذي يتعذر خلعه بدون استخدام كريم أو دهان، ثم يترك صدره مفتوحا ليرى الناس السلسلة التي تتدلى منه، ويرتدي قميصا من فصيلة قمصان شعبان عبد الرحيم فهذه ردة إلى "الطفولية، وتزوير المظهر بغرض إخفاء العمر الحقيقي لا يكون فقط بصبغ الشعر أو ارتداء الملابس الشبابية بل يكون أيضا في اختيار نوع السيارة واختيار بلدان معينة لقضاء الإجازات، وأنا دقة قديمة ولو أهداني أحدهم سيارة قيمتها نصف مليون دولار صفراء اللون لعرضتها للبيع حتى قبل أن أسجلها باسمي لأشتري بدلا منها سيارة بخمسين ألف ريال ذات لون كالح، ثم هاجرت ببقية المبلغ إلى كندا!!!! المصيبة هي أنه كلما تمسك الشخص الشائب بمظاهر الشباب كلما انفضح أمره، والشخص الذي يرتدي المزركش والمبرقع والمرقط بعد أن تجاوز الستين، يصبح كما جورج بوش وهو يرتدي الغترة والعقال. وعندي وصفة مضمونة للمحافظة على الشباب، وهي أنك وبمجرد أن ترفض جهة ما توظيفك وتفضل عليك شخصا أصغر سنا، أن تتجنب مجالسة كبار السن، خاصة تلك النوعية التي لا تكف عن الشكوى من سوء الهضم وآلام المفاصل والانزلاق الغضروفي، فمجالسة هؤلاء تسبب الإحباط، خاصة وأنهم يقرنون الشكوى بالتحسر على أيام زمان، وبما أنني شاهد على ذلك العصر فإنني أقول لجيل الشباب إن مزاعم الكبار بأن أيام زمان كانت أحلى من أيام "الآن"، كلام فارغ!! ما الحلو في أن يعيش الإنسان في بيت تحتل الأغنام ربع مساحته؟ ما الحلو في أن تكون وجبة الإفطار رغيفا مغموسا في الشاي؟ (قال لي صديق سعودي إن عواجيز منطقته يسمون الخبز التوست "شفاط الشاي" لأن نصف كوب الشاي يختفي عند غمس الخبزة فيه)، ما حلاوة خلع الضرس بدون بنج بواسطة الحلاق أو الحداد؟ أولئك الذين يتحسرون على أيام زمان لم يكونوا يذوقون الكوكا كولا، إلا إذا أصيبوا بعسر هضم (إلى يومنا هذا يوجد بيننا شباب يحسبون أن المشروبات الغازية تساعد على الهضم)! إذا أردت أن تحافظ على شبابك كن جعفريا ولا تحسب سنوات عمرك التي انقضت، بل لا تحسب عمرك بطريقة الجمع والطرح: أنا مولود في عام كذا وبالتالي فعمري كذا وكذا! ومن باب الاحتياط توقف عن الاحتفال بـ "عيد" ميلادك وأنت شاب، فعندما تقوم بتزوير عمرك لاحقا قد يكون بعض من حضر احتفالك بعيد ميلادك العشرين حاضرا ويقول لك: كيف يكون عمرك 42 سنة وأنت احتفلت بعيد ميلادك العشرين قبل ثلاثين سنة؟ بلاش تضحك على نفسك، وفكر في كيفية التواؤم والتأقلم مع السنوات التي قد تعيشها، وتعامل مع الكبر والشيخوخة على أنهما "مكسب" فغيرك مات دون أن يبلغ السن التي بلغتها، فكن حامدا شاكرا ولا تلجأ إلى التزوير لإخفاء نعمة طول العمر. وأهم من كل ذلك (والكلام موجه إلى الرجال) لا تثق بالمرآة ولا بالمرأة. فالمرآة كما أسلفت لا تعرف "الستر" وكلما اقتربت منها كلما أظهرت الحفر والمطبات الموجودة أسفل عينيك وعلى خديك.. ولا تثق بالمرأة لأن عينها أخطر من عيون المرايا وتستطيع أن تعرف عمرك مهما تفننت في تزوير شكلك الخارجي، فإذا قلت لها إن عمرك 38 سنة وقالت لك: ما شاء الله.. اللي يشوفك ما يعطيك أكثر من 25 سنة،.. فتأكد أنها تقصد أن عدد سنوات عمرك الحقيقية يكون بتبادل المواقع بين الخمسة والإثنين.