08 نوفمبر 2025
تسجيلأذكر أنني كتبت مقالاً في منتصف التسعينيات الذاهبة من القرن الماضي بعنوان "من يمتلك التاريخ الدولة أم القبيلة؟"، ونشر في جريدة الوطن حينئذ، استشعاراً مني بأن المجتمع بدأ يتجه اتجاهاً خاطئاً نحو تكريس مرجعية أوليه لأفراده على حساب المرجعية الأشمل وهي الدولة، وهو الأمر الذي بدأ يتفاقم حتى وصل مع استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي المقروءة والمسموعة والمشاهدة إلى ذروته. يتساءل العديد عن أن المجتمع خلال عقوده الأولى لم يشهد مثل هذه الظاهرة في الثمانينيات والسبعينيات وما سبقهما من عقود، فمالذي استجد حتى تتفاقم هذه الظاهرة وتكبر وتظهر اليوم بشكل فج؟، هنا بعض النقاط أضعها لعلني أستطيع أن أحدد معالم لتشخيصها ومن ثم علاجها. أولاً: كان المجتمع أكثر اطمئناناً عنه اليوم، نتيجة عاملين أولاً المسافة الواحدة بين السلطة وبينه، والعامل الثاني هو الجاه الاجتماعي الذي كانت تتمتع به مكوناته، وهو ليس بالضرورة جاهاً مادياً، لكن مكانة اجتماعية تشعر المجتمع بالاطمئنان. وهذا عامل مهم لا تتخلص منه الدولة إلا بإيجاد بديل عنه يحفظ للمجتمع توازنه، فاللوردات في المجتمع الإنجليزي مثلاً مكانة اجتماعية تاريخيه رغم وجود المواطنة التامة، هذا العامل في اعتقادي أهملناه أو ربما ألغيناه مما أدى إلى القفز عليه بشكل حول الاطمئنان إلى قلق والثقة إلى شك. ثانياً: ريعية الحاضر في مقابل إنجاز الماضي، أثر الريع وتوزيعه على نشوء فقاعات جديدة وسريعة النشأة في المجتمع تبحث عن الماضي لجدتها، لذلك تلحظ وبشكل سافر ازدياداً مطرداً في تأليف كتب التاريخ والأشعار والأنساب، بما يحقق الاطمئنان في مجتمع سبقت فيه القبيلة الدولة. ثالثاً: من محاسن الحصار أنه وحد المجتمع القطري وألغى مظاهر التفرقة السابقة التي كانت تمثل تمظهراً لافتاً للقبيلة على حساب الدولة، ولتلك الممارسات الأثر الكبير في إثارة النعرات القبلية التي نشهدها اليوم. رابعاً: حسناً تعمل الدولة في تجريم هذه الظاهرة، لكن هذا لا يكفي لابد من تمكين المجتمع من الدولة وتمكين الدولة من المجتمع من خلال خطوات دستورية وبنى مؤسسية واضحة. خامساً: بعد الدولة يصبح التاريخ تاريخ الدولة، وهو تاريخ حاضر مستمر وليس فقط ماضياً، لذلك يجب أن نكف عن التعامل معه بشكل ناجز وتام، لابد من فتح الماضي أمام الحاضر والمستقبل. فمن خاض والده أو جده موقعة قديمة مثلاً ومن حاز ابنه جائزة دولية أدخلت الدولة مثلاً في موسوعة "جينيس"، أو حصد أحد أحفاده جائزة نوبل باسم الدولة اليوم أو غداً، أو من حاز ميدالية ذهبية سجلت باسم قطر، الجميع هنا يصنع تاريخ، فالتاريخ ليس موضوعاً للحيازة، هو موضوع للتراكم والبناء. سادساً: أهمية التنبه لعملية التوازن بين التنمية والإنسان وبين الطمأنينة والقلق من التهميش، بين خوف الأقلية وطمأنينة الدستور والقوانين. لا أعتقد أن العنصرية لها مكان في المجتمع القطري، هناك معادلة موضوعية لم توضع بشكلها الأمثل بين الدولة والقبيلة، بين المواطن والمقيم، بين الماضي والحاضر، كلها معالجات كانت ردود أفعال، لذلك تنتصر لطرف مؤقتاً على حساب طرف آخر، لذلك تعود من جديد وتتكرر، لأن علاجها كان موضعياً فقط. أرجو أن يحمل لنا المستقبل وتباشيره وحكمة القيادة حلاً يحفظ لمجتمعنا توازنه ووسطيته اللذين عُرف بهما. [email protected]