11 نوفمبر 2025
تسجيل"البطء" هي رواية قديمة نوعاً ما للكاتب التشيكي ميلان كونديرا ربما قد قرأها البعض منكم، لم تعجبني كثيراً لأنها خلت من عنصر التشويق ولم تحفزني كثيراً لمواصلة القراءة بشغف كعادتي، إلا أنني وجدتها جيدة في القيمة التي حملتها والمعنى الذي خرجت به بعد أن اختتمتُ آخر سطورها، فقد انتهيت منها وأنا أفكر: هل لاحظنا اختفاء لحظات البطء من حياتنا..؟ تلك التفاصيل الدقيقة في موقف أو مشهد أو ظرف ما، ولو لاحظنا، هل شعرنا بقيمتها وبمعنى مرورها على جسد الأشياء وبين فواصل الثواني والدقائق؟ هل عرفنا معنى أن نستمتع بها أو هل حاولنا أن نعرف كيف نستمتع بها؟. في مقال سابق كتبته "لما لا نشعر أننا نتنفس الحياة؟" تحدثت فيه عن عدم مقدرتنا على الاستمتاع بكثير من المواقف التي تصادفنا، قد يختلف الموضوعان قليلاً ولكنهما يلتقيان في الإحساس بتلك الثواني الصغيرة من الوقت. يقول الكاتب ميلان الذي يروي حكايتين تحدثان في زمنين متباعدين ومختلفين حاول من خلالهما رصد البطء بدقة مبيناً مداها أو تأثيرها واختفاءها من عصر السرعة، (لماذا اختفت متعة البطء؟ آه، أين هم متسكعو الزمن الغابر؟ أين أبطال الأغاني الشعبية الكسالى، هؤلاء المتشردون الذين يتسكعون من طاحونة إلى أخرى وينامون تحت أجمل نجمة؟ هل اختفوا باختفاء الدروب الريفية والحقول والغابات والطبيعة؟ يُعرّف أحد الأمثال الشعبية التشيكية كسلهم مجازاً قائلاً: إنهم يتأملون نوافذ الله، ومن يتأمل نوافذ الله لا يسأم أبداً بل يكون سعيداً.. في الوقت الذي أصبح فيه الاسترخاء في عالمنا بطالة، وهذا أمر آخر تماماً: إذ يبقى المرء الذي لا يجد ما يفعله في حالة إحباط وملل وبحث دائم عن الحركة التي يفتقدها). أعتقد أننا غارقون لحد الاختناق في لجة الحياة السريعة، لا نشعر بمتعة كثير من الأشياء تستحق الوقوف عليها والتمعن فيها، لا نعرف أن نعيش كل لحظة كما هي على صورتها الحقيقية،همنا أن نركض وأن نصل إلى أين لا يهم المهم أن نسرع الخطى، فقدنا الارتباط بالزمن، وأصبحنا كدولاب يتدحرج من أعلى قمة جبل ولن يتوقف حتى يرتطم بحاجز صعب يقف في وجهه فجأة فيوقفه، ربما يكون مرضا أو موتا أو أي شيء قاس يمسك بكل لحظات العمر الضائعة فجأة وينثرها في وجه ضعفنا دفعة واحدة أيضاً، ونحن مستسلمون نتابع كل شيء واللحظات الأخيرة بلا حيلة ولا نملك وقتها إلا البكاء على أنفسنا وعلى ما ضاع منا، بل بالأحرى على ما ضيعناه من بين يدينا.. ما زلت أتذكر بعض اللحظات العابرة في حياتي وأتذكر تحديداً ما كان يدور في رأسي حينها، ورغم مضي الكثير من الوقت عليها إلا أنها عالقة ببالي لأني شعرت بثوانيها وهي تتسارع لتكبر، أعتقد أنني استمتعت جداً بلذة وقوعها وانتهائها، ولكن ماذا عن الكثير الذي ضاع من عمري؟ وماذا عن الباقي منه؟! علينا جميعاً أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة: هل سنشعر بما سيأتي أم سنضيع في تكدس ظروف الحياة العجلة على رؤوسنا؟ وهل ستحب ذاكرتنا بطء التفاصيل أم ستمسح ما يتعبها؟.. لا أعلم ولكن عني أنا سأحاول أن أمسك بأي شيء.. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح لقد دعانا الله عز وجل ورسوله الكريم إلى التأمل في مخلوقات الله والتفكير في تفاصيلها لأن ذلك سيدفعنا إلى ما هو أعظم، إلى الإيمان بأن هناك من هو أقوى وهو من صنع بقدرته عظمة هذا الكون، إذن فقد وجّهنا ديننا كي نلتفت إلى كل ما هو حولنا. إن اللحظات الجميلة والسيئة تسرق منا عمراً لن يعود أبداً، وخلال عبورها على مساحات سنواتنا وخطوط وجوهنا تمتلئ حياتنا بملايين التفاصيل الدقيقة التي نسهو عنها لأننا مشغولون بما هو أكبر منها، هناك تفاصيلً لو حاولنا أن نمسك أو أن نستمتع ببعضها أو نتعظ منها لتذوقنا الشعور بمتعة أننا أحياء، وربما وقتها نكون أكثر سعادة وأكثر هدوءا..