06 نوفمبر 2025

تسجيل

أزمة العسكريين المختطَفين تتحول إلى حرب عصابات

15 ديسمبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أعلن رئيس الحكومة اللبناني تمام سلام أنه لن يتم تكليف هيئة علماء المسلمين رسمياً بالوساطة للإفراج عن العسكريين المختطفين لدى مسلحي المعارضة السورية. من يستمع لكلام رئيس الحكومة يظن أن خيارات السلطة اللبنانية كثيرة، وأنها حائرة في اختيار الجهة التي ستفاوض عبرها المسلحين، في حين أن الواقع يشير إلى أنها لاتدري ما تفعل، وهي تضرب أخماساً بأسداس، باحثة عن قشة لتتمسك بها، علّها تسهم في مساومة الخاطفين والضغط عليهم.تكاد لاتجد كائناً بشرياً على هذه البسيطة مقتنعا أن لبنان دولة ذات حرية وسيادة واستقلال. فالأدلة والقرائن للانتقاص من مقوّمات هذه الدولة أكثر من أن تُحصى. يكفي التذكير بوجود ميليشيات مسلحة على أرضها، تتحرك على رؤوس الأشهاد مستترة تحت عنوان "المقاومة"، لتشارك النظام السوري في قتل شعبه، دون أن يجرؤ أحد في السلطة اللبنانية على الاعتراض أو حتى للانتقاد.الاهتراء في جسم الدولة ليس طارئاً أو جديداً، فهو بدأ مع نشأة هذا "الكيان" الذي أطلق عليه اسم "لبنان". ولعلّ أزمة اختطاف العسكريين التي تتخبط الحكومة في البحث عن حل لها، كشفت عن الكثير من عوامل الضعف هذه. فمنذ البداية كان واضحاً أن السلطة اللبنانية أوقعت نفسها "بمطب" لا تملك أدوات الخروج منه، وأن الموضوع أكبر منها. وكما في الكثير من الأزمات المستعصية التي سبق وألمّت بالبلد، ينتظر اللبنانيون الخارج للتدخل وحلّ الأزمة، لكن وبما أن الخارج منشغل بأزماته، ويسعى للحفاظ على "كيانه"، يتواصل مأزق السلطة اللبنانية، وتتواصل معها معاناة العسكريين المختطفين.اللافت أن الظروف التي أحاطت بأزمة العسكريين المختطفين كانت مثالية لتكون قضية وطنية جامعة، على اللبنانيين أن يتوحدوا خلفها، وأن يسعَوْا لبذل كل الجهود لإيجاد مخرج لها بالإفراج عن المختطفين وعودتهم سالمين إلى ذويهم. فالمخطوفون هم أبناء المؤسسة العسكرية البعيدة عن التجاذبات السياسية والطائفية، لكن سرعان ما تسللت أمراض "الكيان" اللبناني، كما تسللت إلى قضايا كثيرة قبلها. فنُزع الطابع الوطني الجامع عن أزمة العسكريين المختطفين، وبدأت بالغرق في الوحول اللبنانية. البداية كانت مع شعور أهالي العسكريين المختطفين بتخلي الدولة عن أبنائهم، وعدم الجدية في السعي لإطلاق سراحهم. ويروي بعض الأهالي أن أحد المسؤولين الذين قابلوهم طلب منهم أن يعتبروا أبناءهم "شهداء الوطن" لأن الدولة عاجزة عن إطلاق سراحهم. هذا الشعور نزع عن العسكريين المختطفين بدلاتهم العسكرية الوطنية، لتحلّ مكانها بدلات ذات ألوان طائفية وعشائرية وعائلية. وباتت كل عائلة تهدد وتتوعد وتقطع الطرقات، وتنصب الحواجز المسلحة وتخطف المواطنين وتطلق النار على من تشاء، وتمنع المساعدات الإغاثية عن آلاف النازحين، كل ذلك يجري أمام أعين الأجهزة الأمنية. ردة فعل السلطة اللبنانية لم تتجه نحو إعادة تصويب بوصلة قضية العسكريين المختطفين، والإمساك على أيدي ذويهم لمنعهم من التصرف كالعصابات. على العكس، هي كرست الأداء الميليشياوي، فقامت باحتجاز زوجات وأطفال أشخاص على قرابة بالجهة الخاطفة دون سند قانوني، في مخالفة لأبسط القواعد الأخلاقية والقانونية والإنسانية، وهو أداء تحرجت عن القيام به العصابات والميليشيات في زمن الحرب الأهلية، فكيف بدول يفترض أنها تحترم نفسها، ووقعت على مواثيق دولية تحفظ حقوق الإنسان والطفل.لم تكتف السلطة اللبنانية بذلك، بل سربت عبر وسائل الإعلام أنها في سبيل الرد على الخاطفين الذين يقومون بقتل العسكريين، فإنها قد تلجأ لإعدام موقوفين لديها في السجون يهتم لأمرهم الخاطفون. لكن الدهشة التي خلّفها هذا التسريب دفع الحكومة لنفي الأمر، والقول أنه "غير وارد حالياً"، أي أنه قد يكون وارداً في وقت آخر. ومن الواضح أن مايردع السلطة اللبنانية عن الإقدام على خطوة مماثلة ليس الأخلاق والقانون بل الحرص على صورتها في المجتمع الدولي. لم يقل أحد أن الوضع سهل، وأن عملية التفاوض لإطلاق العسكريين المختطفين ستكون مفروشة بالزهور. فالجهة الخاطفة هم مسلحون أحلوا لأنفسهم كل شيء ولايتقيدون بضابط ولاقانون ولاأخلاق، وهم "إرهابيون، مجرمون، قتلة" حسب تصنيف الدولة اللبنانية. لكن كل ذلك هذا لايبرر أن تنحدر السلطة إلى مستوى الخاطفين، فتتحول إلى عصابة إرهابية، تبرر لنفسها القتل والخطف والاعتداء. ليس جديداً أن تتفاوض الدولة مع خاطفين لإطلاق سراح رهائن، لكن الجديد هو الأداء الميليشياوي الذي تقدمه السلطة اللبنانية في تفاوضها، فعوض بحث إمكانية الاستجابة لمطالب الخاطفين، تقوم بتقليدهم والسير على خطاهم، لتقدم بذلك نموذجاً جديداً، يُضاف إلى إنجازاتها السابقة بصنع أكبر صحن تبولة، وأكبر صحن حمص بطحينة.