10 نوفمبر 2025
تسجيليقول ابن خلدون رحمه الله تعالى " اعلم أن السلطان شخص ضعيف في نفسه، لكنه يحمل مسؤولية ثقيلة، خاصة وقد استرعاه الله تعالى أمر خلقه، وهو محتاج لمن يعينه لردع الأعداء، كما يحتاج إلى كف أذى رعيته بعضها على بعض، وإلى حماية أموالهم ومصالحهم ومعايشهم " بتصرف تحدث ابن خلدون عن المهام الأصيلة للسلطان، المتمثلة بتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، وحماية أموالهم ومصالحهم، فكيف الحال إذا كان السلطان نفسه الناهب لأموال الناس، والمعتدي على مصالحهم، والمنتهك لحرماتهم، والسالب لحرياتهم؟! لقد أثبتت الثورات العربية المباركة التي حدثت أن بعض الحكام يقومون برعاية كل شيء إلا مصالح شعوبهم، ودورهم لا يختلف كثيراً عن دور " المندوب السامي " إبّان الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي. القيادة موضوع خطير وعميق ودقيق، ولقد أوتيت الأمة من قبل قادتها، الذي أفسدوا أكثر مما أصلحوا، ودمّروا أكثر مما شيّدوا، ولو تأملنا الأزمات التي تعاني منها الأمة خاصة أزمات التخلف العام، وعدم الفاعلية، والسلوك، لوجدنا أن هذه الثلاث ما هي إلا انعكاس لأزمتي القيادة والفكر. تعريف القيادة القيادة بالنسبة لي تعني ببساطة: القدرة على توجيه الناس نحو الهدف. القيادة قدرة، فمهما قرأ الإنسان في كتب القيادة، ومهما شارك في دورات التنمية البشرية، ومهما أكثر من سماع المحاضرات، فلن يصبح قائداً ما لم يوجد لديه الحدّ الأدنى من القدرة على القيادة، وتشير الدراسات إلى أن: - (1%) هم قادة بالفطرة، أمثال علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد والأحنف بن قيس. %- (1%) لا يستطيعون تعلّم القيادة، حتى لو حاولوا. -- (98%) ليسوا قادة بالفطرة، ولكنهم يستطيعون اكتسابها لو بذلوا جهداً في ذلك، ولو وجدوا من يدرّبهم على القيادة، فالأغلبية الساحقة تستطيع اكتساب الصفات القيادية، لو وجدت من يرعاها ويأخذ بيدها، خاصة فئة الشباب. الهدف من القيادة أهم ما في القيادة أن لدى القائد والمجموعة التي يقودها، جملة من الأهداف التي يسعون لتحقيقها، ولا يشترط أن يطمح القائد إلى تحقيق أهداف سامية، وغايات نبيلة، فمن الممكن أن تكون للقائد نوايا سيئة وخبيثة، ويسعى إلى تحقيق أهداف سلبية وغير شريفة، فهذا فرعون كان قائداً لقومه، لكن أهدافه السيئة، وطويته الخبيثة قادته وقومه إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالى واصفاً حالهم (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (هود/98 وأحياناً قد ينقاد الناس لأهداف لا يعرفونها، وأتساءل دوماً عن هؤلاء الناس الذين يخرجون كل صباح لأعمالهم، كم منهم من هو مطّلع على الخطة الإستراتيجية للدولة؟! القيادة أدوات وأساليب تحريك الناس نحو الهدف يحتاج إلى أدوات وأساليب، والقادة غالباً ما يستخدمون أسلوب الترغيب والترهيب، وعلى مستوى الدول، فالدول ذات الطابع الجمهوري تكثر من استعمال الترهيب والعصا والقبضة الأمنية، أما الدول ذات الحكم الملكي الوراثي، فيكثر فيها استعمال الترغيب بالأعطيات والامتيازات، وقد يُشترى صمت الناس بالمال، وكذلك قد تُشترى المعارضة بمنحها المال الوفير. ويستعمل بعض القادة فن الإلقاء والخطابة للتأثير على الناس، وجعلهم من الأتباع، ومنهم من يستعمل الإقناع كأسلوب للتأثير، أكثر مما يستعمل الأساليب التقليدية والعادية، والإقناع أحد أساليب القيادة الفعالة. أهمية القيادة لطالما شكّل موضوع القيادة وتعليمها، هماً أرقني طويلاً، وكنت كثيراً ما أوجّه الشباب لهذا الأمر، مطالعة ودراسة ومشاركة في الدورات التي تُعقد، وقضيت ما يُقارب الـ (25) سنة في دراسة علم القيادة والتدريب عليه، وتشكلت لدي رؤية لهذه المسألة المهمة، كما جمعت كثيراً من أدوات التدريب القيادي. واستنتجت من خلال البحث والتقصي أن للقيادة تأثيراً مباشراً في كل المجالات، السياسية والاجتماعية والعلمية والصحية والتربوية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، وكذلك على كافة المستويات، سواء الحكومات أو المنظمات أو الأحزاب والحركات وحتى في الأسر والبيوت، فكل النتائج السلبية في هذه المجالات وتلك المستويات هي بسبب وجود أزمة قيادة. القيادة من مفاتيح النهضة من أسرار نهضة الأمة في عصورها الذهبية، هي أن النبي (هدف من تربيته إلى صناعة القادة، وإحاطة نفسه بالصحابة ذوي القدرات العالية والمميزة، الذين فتحوا البلاد من بعده (، وأناروا للشعوب دروب الحياة. ومن أسباب تخلفنا عن ركب الأمم غياب هذا الهدف عن برامج الدولة ومشاريع الحكومات، فأين هي الدول أو الحكومات التي تضع ضمن خططها تخريج القادة في كافة المجالات والتخصصات، وأزعم أن الأمة لن تنهض من كبوتها ما لم تكن القيادة والتدريب عليها وتخريج الكفاءات القيادية ضمن أهدافها بل ومن أولى أولوياتها. بين القيادة والدعوة تظهر أهمية القيادة وخطورتها من خلال عقد مقارنة سريعة بين القيادة والدعوة: تشير الإحصاءات الأخيرة للعام (2011)م إلى أن عدد المسلمين في العالم يقترب من (1500) مليون مسلم (مليار ونصف)، والسؤال ماذا سيتغير لو نشطنا في الدعوة، وأدخلنا في الإسلام (200) مليون مسلم جديد، ليصبح العدد (1700) مليون مسلم، هل ستصبح أمتنا في مصافّ الدولة المتقدمة..؟ هل ستعود لها السيادة والقيادة بمجرد العدد الكثير..؟ لن يتغير الأمر كثيراً لو زاد عددنا أضعافاً مضاعفة. لكن في المقابل لو أضفنا للأمة (200) قائد، يعرفون دينهم حق المعرفة، ويفهمونه وفق مبادئ الوسطية وقواعد الاعتدال، ولهم تخصصات يتقنونها، ولديهم خبرة ودراية في التعامل مع الغرب، أزعم أن هؤلاء الـ (200) قائد سيكون لهم تأثير كبير، يفوق أثر الوعاظ والخطباء. بين القيادة والإغاثة تظهر أهمية القيادة وخطورتها كذلك من خلال عقد مقارنة سريعة بين القيادة والعمل الإغاثي: لا يكاد يتأخر مقتدر أو مستطيع، عن مدّ يد العون وتقديم المساعدة إذا ألمت بأمتنا مصيبة، مثل كارثة أو فيضان أو مجاعة، ولأجل إغاثة المنكوبين تتحرك مئات الملايين من الدولارات لنجدتهم وإنقاذهم، وهذا أمر رائع وخلق جميل نحن مطالبون به، لكن ما أثر هذا على مشروعنا الحضاري، أثره قليل جداً، ولا يكاد يُذكر، بينما سيتضاعف الأثر وستنهض الأمة، وستقترب من تحقيق أهدافها النهضوية، لو أنفقنا (10 %) من تلك الملايين على صناعة القادة، الذين سيكون دورهم رفع البلاء والمصائب عن الأمة، فالكوارث والمشاكل لا تنتهي في أمتنا، لكن الذي سيخففها ويضع حلولاً ناجعة لها هم القادة وليس غيرهم. بين القيادة والعمل الخيري كذلك تظهر أهمية القيادة وخطورتها من خلال عقد مقارنة سريعة بين القيادة والعمل الخيري: العمل الخيري يشمل كل صور النفع المادي والمعنوي التي يقدما الإنسان لغيره، دون أن ينتظر مقابلاً على فعله، ولقد تعوّدنا من التجار والمقتدرين على بذل المال الوفير لبناء مسجد، أو حفر بئر ماء أو كفالة يتيم، وهذا أمر في ميزان الشرع عظيم، لكن أين نفقاتهم على برامج إعداد القادة، ومشاريع تخريج القادة، التي هي من العمل الخيري، إن لم تكن أهم وأولى في بعض الحالات، قليل جداً من أصحاب الأموال من يفهم هذه المعادلة، ولا أبالغ إن قلت إن إعداد القادة مقدم على العمل الخيري، لأن القادة من سيطورون العمل الخيري بصور تكفل الحياة الكريمة للفقير والمسكين وصاحب الحاجة. التجربة الماليزية خلاصة القول أن القيادة هي التي ستغير من أحوال أمتنا، وهي التي ستنهض بها نحو المجد، وفي التاريخ شواهد تؤكد صدق ما أقول، والتجربة الماليزية أقرب شاهد، حيث كانت ماليزيا من دول العالم الثالث المتخلفة عالمياً، وخلال مدة قصيرة بالنسبة للدول، خلال (10) سنوات صارت ماليزيا من دول العالم الثاني، وقريباً ربما تصبح من دول العالم الأول، لكن ما الذي حدث..؟ وما الذي تغير؟ تغيّرت القيادة، فتولت زمام الأمور قيادة ذات رؤية وفكر، وهذا هو بيت القصيد، فمتى وجد القادة الذين يحملون الفكر والرؤية فإن حياتنا.. كل حياتنا ستغير نحو الأفضل.