15 نوفمبر 2025

تسجيل

الأضحية.. بين توزيعها على الفقراء في الداخل ونقلها للخارج

15 أغسطس 2019

مع بدء كل موسم عيد أضحى مبارك.. يتجدد النقاش حول ذبح الأضاحي في الداخل أم إرسالها إلى الخارج ويكثر الحديث بين مؤيد ومعارض على الرغم من أن الرأي الشرعي يبين هذه المسألة على الوجه الأكمل وبعدة صور فقد ورد: من المصالح الكبرى التي عنيت بها الشريعة الإسلامية، وكانت أحد مقاصدها العظمى، تقديم المصالح، والعناية بذوي الحاجات والفقراء من المسلمين، وأن من المصالح المحققة في هذا الباب جواز نقل الأضحية من بلد المضحي إلى بلد آخر، لاسيما وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ما يمنع ذلك ويدفعه، والأصل في ذلك الجواز، فإذا كانت الزكاة وهي واجبة بالإجماع يجوز نقلها من بلد إلى بلد للمصلحة والحاجة، فكيف بالأضحية المستحبة ؟! وقد منع بعض أهل العلم من ذلك؛ مستدلاً بفوات إظهار الشعيرة، وقد قال _تعالى_: « وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر،ٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» ( سورة الحج آية-36). وفي الاستدلال بهذه الآية نظر من وجهين: ◄ الوجه الأول: أن الناس لا يتفقون كلهم على ذبح ضحاياهم خارج بلادهم، بل يبقى منهم من يضحي في بلده، فيبقى إظهار الشعيرة من هذا الوجه موجوداً. ◄ الوجه الثاني: على فرض أن الناس جميعاً يذبحون ضحاياهم خارج البلد، فإن أصل إظهار الشعيرة باق غير منتف، فهو يظهر ويقوى ظهوره في بلد آخر، وإن ضعف ظهوره في بلد المضحي؛ وذلك للحاجة والمصلحة. كما أن القصد من الأضاحي إظهار الشعيرة في كل بلد، ونفع الفقراء من المسلمين ؛ يقول الله _عز وجل_:» لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ» (سورة الحج آية -37 )،وقد جاء في الصحيحين من طريق أبي عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:»من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته شيء، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها». فالشارع لما نظر إلى فاقة الناس حرَّم عليهم الادخار فوق ثلاثة أيام، فلما زالت تلك العلة زال النهي. وحينئذٍ لا نجد حرجاً من الفتوى بجواز نقل الأضحية من بلد إلى آخر،إذا دعت حاجة المسلمين لذلك، فإن أعداداً كبيرة من المسلمين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويعانون مسغبة، وقد يموتون جوعاً، والحاجة داعية إلى الوقوف معهم، وإغاثتهم بالزكوات والصدقات، ونقل الأضاحي إلى بلادهم، فإنه لا يتعين في الأضحية مكان بلد المضحي، وحين تفوت سنية الأكل من الأضحية فلا تفوت مصلحة إغاثة الفقراء والمساكين من المسلمين وسد حاجتهم « ومع هذا التفسير الفقهي يأخذ كل فرد بما يراه، و رسولنا الكريم يقول استفت قلبك. ◄ وهذا التضارب في الفتاوى: جعل الجميع يدخل في حيرة شديدة لا داعي لها.. وبالطبع تبدأ الجمعيات الخيرية بارسال الرسائل قبل العيد بأيام لتشجيع المضحين واقناعهم على إرسالها بأرخص الأسعار مع الترويج لمقولة: « إن الناس في قطر بألف خير ولا حاجة لهم للأضاحي وانه عليهم إخراجها للناس في الدول الفقيرة . ولذلك نجد من يقول: المئات والآلاف يتعاطف مع مثل هذه الرسائل اعتمادا على جواز نقل الاضحية الى الخارج في حال كان الناس هناك أكثر حاجة لها . مما يغلب وجهة النظر الداعية الى ارسال الاضاحي للخارج على الداعين على ذبحها وتوزيعها في الداخل. ولا نريد ان تكون الدعوة لارسالها للخارج خدمة لجهات بعينها بعيدا من مقاصد الشرع التي تبيح الحالتين. ◄ غياب دار للإفتاء: ولعل من الأمور اللافتة للأنظار في مثل هذه المواقف الحرجة.. هو عدم وجود دار للإفتاء في قطر.. وهذا جعل الكل يتخبط في إصدار الفتاوى الشرعية.. فعندما تكون هناك مؤسسة واحدة تؤخذ منها جميع الفتاوى الموحدة فسيكون الأمر على ما يرام.. بينما يحتار أفراد المجتمع في ظل تضارب آراء العلماء بسبب التناقضات أحيانا.. فمن نصدق ؟!!. ◄ ومن الجانب الاخر يقول أحد العلماء: هناك تحايل على الدين.. حيث تقوم بعض الجمعيات الخيرية في منطقة الخليج قبل بدء عيد الأضحى المبارك بإرسال عدة رسائل تقول فيها: بانه من الواجب إرسال الأضاحي إلى خارج البلاد لان أسعارها قليلة وهي تساوي ربع سعر الأضحية عندنا في الخليج أو أقل من ذلك بكثير.ويجب التدخل لمنع مثل هذه التفسيرات وذلك عبر فتاوى موثوق فيها وصادرة من علماء اجلاء منعا للتفسيرات والتأويلات التي لا تعتمد على اراء فقهية واضحة ومتفق عليها. كلمة أخيرة: في الختام نؤكد على حقيقة مهمة وهي أن تصدر مثل هذه الفتاوى من جهة فقهية مصرح لها منعا للتفسيرات الفردية التي قد تخالف السنة النبوية ومقاصدها. والله من وراء القصد. [email protected]