12 نوفمبر 2025
تسجيلإن السياسة النقدية لأي دولة لابد أن تواكب الأوضاع الاقتصادية وحتى الاجتماعية لهذه الدولة، وهذا ما ينطبق علينا في قطر خصوصا أن اقتصادنا أصبح جزءا من الاقتصاد العالمي بل إنه يعتبر إحدى منصات الاقتصاد العالمي المهمة أكثر من أي وقت مضي، والسياسات النقدية في أغلب الدول التي نتعامل معها اليوم هي سياسات تيسيرية إلى أبعد الحدود، وقد وصلت عندها أسعار الفائدة للصفر وتحته بالسالب، وبالتالي فإن اعتماد سعر فائدة عندنا بنسبة 4.5% مبالغ فيه، صحيح أنه في بعض الحالات تكون هناك أسباب موضوعية لرفع أسعار الفائدة للتضييق النقدي نتيجة لمخاوف من زيادة النشاط الاقتصادي الذي يمكن أن يؤدي إلى معدلات تضخم عالية، أو بسبب وجود تضخم عال على المستوى العالمي نستورده من خلال السلع والخدمات، لكن الوضع الحالي على المستوى المحلي والعالمي لا يدعو للمغالات في المحافظة أو رفع أسعار الفائدة، ففي وضعنا المحلي وبعد تراجع أسعار النفط من أعلى مستوياته عند 120 دولارا للبرميل إلى أقل من 30 دولارا، والآن بدأ يستقر في حدود 45 دولارا ويمكن أن يصل لـ50 دولارا للبرميل، وعلى المستوى العالمي هناك مخاوف من تراجع معدلات التضخم وبالتالي نحن اليوم نستورد تضخما سلبيا، ومع تراجع أسعار النفط نحن نواجه تراجع مستويات إنفاق القطاع العام، خصوصا بعد دخول معظم مشاريع الدولة في مراحل متقدمة من الإنجاز، لذلك المخاوف من نشاط اقتصادي زائد غير وارد في المرحلة القادمة، وبالتالي فإن القاعدة تقول إنه في حالة انكماش الإنفاق العام يكون هناك تيسير في السياسة النقدية والعكس صحيح فمتى ما كانت الدولة تصرف بشكل كبير ولديها فوائض مالية كبيرة توجه للمشاريع هنا يجب رفع نسبة الفائدة لخفض مستوى السيولة وبشكل استباقي لتحاشي أو تقليل احتمالات الزيادة في معدلات التضخم، وبالتالي فإن تيسير السياسة النقدية مطلوب في الظروف الراهنة التي تراجع فيها زخم المشاريع الكبيرة، خصوصا أنه إذا قارنا أسعار الفائدة عندنا بأسعار الفائدة في الإقليم فإن معظمها أقل بدرجات، وبالتالي لابد من مراجعة السياسة النقدية وتخفيض نسب الفائدة لدعم السيولة داخل إلا الاقتصاد الوطني ودعم المشاريع لأنه لابد من خفض تكلفة رأس المال، وكذلك لدعم أصحاب المبادرات من خلال خفض تكلفة رأس المال، وهناك جانب إيجابي أيضًا بالنسبة لأصحاب القروض من المستهلكين لأن تكلفة السداد تكون أقل كلما خفضت أسعار الفائدة، وكنا نتوقع منذ أشهر أن تكون هناك مراجعة جدية لمستوى أسعار الفائدة، في فترة يواجه فيها السوق حاجة ماسة لضخ المزيد من السيولة تدعم الاقتصاد والمستهلكين وتدعم خطط الدولة في التنويع الاقتصادي، ومعظم الأسباب الأساسية في الاقتصاد المحلي والعالمي تدعو لخفض أسعار الفائدة والتيسير المالي في الاقتصاد الوطني، حيث إن أسعار الفائدة الحالية لا تناسب الدورة الاقتصادية وتضع أعباء على البنوك وعلى المستهلكين وعلى الاقتصاد، خصوصا أنه لا توجد مخاوف من تضخم حيث إن معظم البنوك العالمية تستهدف رفع نسبة التضخم لمستويات 2% على الأقل، ونحن في مرحلة اقتصادية مختلفة كليا عما كان قبل 2008 والأزمة المالية العالمية، وعليه فإن خطط التضييق المالي مرحلة تم تجاوزها نتيجة للأزمة المالية العالمية، ونحن الآن أمام فرصة كبيرة للاقتصاد الوطني يجب استغلالها من خلال تخفيض أسعار الفائدة وعسى ألا تفوتنا لأن الاقتصاد العالمي سيتحسن ويكون من الصعب حين إذن تخفيض أسعار الفائدة، خصوصا أننا قد نجد أنفسنا في مرحلة تتطلب العمل على استقرار أسعار الفائدة أو رفعها وبالتالي تفوتنا الفرصة دون أن نتمكن من ضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد ومعالجة بعض الاختلالات والاستمرار في سياسات تضيق السياسات النقدية من دون أسباب وجيهة وهذا التأخير في التعامل مع واقع الاقتصاد سندفع ثمنه، خصوصا أن عملية التضييق لها أثار اقتصادية واجتماعية وأي مخاوف تتعلق بالتعثر وغيرها من الأمور يمكن أن يجد لها المركزي الحلول الناجعة دون الحاجة لتدخل الدولة، فاضل طريق لمعالجة الديون المتعثرة دون تداعيات سلبية عدة يصعب توقعها هو خفض أسعار الفائدة والتي هي أداة من أدوات السياسة النقدية العامة والتي لا تسبب تشوهات مجتمعية كما هو الحال في حال تدخلت الدولة وألغت ديون البعض فيستفيد من أخطأ ويعاقب من التزم وفتح الباب على تجاوزات أكبر حيث مثل تلك الخطوة تشجع على زيادة الاقتراض، وبالتأكيد فإن تدخل الدولة لإلغاء بعض الديون المتعثرة ليس هو الحل وإنما هو جزء من تشجيع للظاهرة، خصوصا أن هناك أناسا تقترض أموالا كبيرة وتسيء التصرف في هذه الأموال سواء عن قصد أو من دون قصد بينما هناك آخرون ملتزمون في تسديد القروض وهناك آخرون أصلا لا يلجأون لهذه القروض، وبالتالي فإن تدخل الدولة بشطب ديون الأشخاص المتعثرين يشجع على هذه الظاهرة ونتوقع أن تكون معدلات التضخم قريبة من 3.4 من خلال متابعة مؤشر التضخم حسب وزارة التخطيط والتنمية، وأحد العوامل الضاغطة هو عامل الإيجارات مما يعني أن الطلب على الوحدات السكنية مازال عاليا مقارنة بالمعروض منها وهذا يعني أن الارتفاع في معدل التضخم قد يكون مؤشرا لخفض أسعار الفائدة لخفض التكلفة على المطورين لتوفير وحدات سكنية تمكن الاقتصاد من النمو دون اختناقات السكن التي أصبحت عائقا في سبيل التنمية، فمن خلال سياسة نقدية واضحة ومدروسة وقد لا تكون تقليدية محضة يمكن أن يعالج المصرف المركزي كثيرا من هذه الأمور دون الحاجة لتدخل الدولة.