07 نوفمبر 2025

تسجيل

السياسة النقدية العالمية وصناعة الفقاعات

15 فبراير 2015

لقد تحدثنا عن مدى عقم السياسة النقدية خاصة بعد الأزمة المالية، وربما نحن اليوم نرى إحدى كبرى الفقاعات تبنى أمامنا، لا زالت المصارف المركزية تمارس الإفراط في التيسير المالي مستخدمة معظم أدواته، من التيسير الكمي إلى خفض أسعار الفائدة لمستويات سلبية، لا علامات لنمو الاقتصاد العالمي، ما عدا بعض التحسن في الاقتصاد الأمريكي، ودفع هذا المستثمرين إلى البحث عن المردود، ولذا قد يتخلى الكثير من المستثمرين عن شراء السندات الحكومية، لأنها لم تعد مجدية لتدني مردودها، ولذلك فمن المتوقع أن تتجه الاستثمارات للأسهم، إما لمردود وإما لحسن أسعار الأسهم، ولكن هذا وبنفس الوقت هذا يعني أن فقاعة كبيرة تنشأ وتتكون منذ الآن، قد نكون في مراحل متقدمة قد تستمر على مدى سنوات، لا أحد يعرف متى الفقاعة تنهار ، وقد تستمر على مدى سنوات، الآن تبدو الأمور تتجه لارتفاع في الأسهم، والركود الاقتصادي، وتراجع الأسعار، فالسياسة النقدية غير فعالة خلال السنوات التي تلت الأزمة المالية، ولا نملك أدوات أو مفاهيم أو نظاما، يختلف عن ما تقوم به المصارف المركزية، الخطر في حال استمرت الأسعار في التراجع والسياسات النقدية غير قادرة على بعث أي تضخم، ولا أسوأ من التضخم، إلى التضخم السلبي أو تراجع الأسعار، فقد عانى الاقتصاد الياباني من تراجع الأسعار على مدى أكثر من عشرين سنة، وحتى الآن لم يستطع الخروج من تراجع الأسعار، إن التضخم السلبي يثير مخاوف المصارف المركزية، بدرجات أعلى بكثير من التضخم، فتراجع الأسعار يبعث على فقدان الحوافز، فلا حافز لدى المصنع ولا المستهلك ولا البائع ولا الشاري، فإذا كانت الأسعار ستتراجع غدا فلا داعي للتصنيع ولا إلى الشراء وإلى البيع، وهذا يعني أن النمو الاقتصادي سيتراجع، وهكذا يدخل الاقتصاد دورة تراجع واحدة بعد الأخرى ، فخطر التضخم السلبي على الاقتصاد العالمي هو الأشد ، وما تقوم به المصارف العالمية من تيسير نقدي لم يعد مجديا، ولا أحد اليوم يستطيع الإجابة ماذا سيحدث في المستقبل، هل فجأة ستعود آليات السياسات النقدية للعمل، وترتفع الأسعار ويعود التضخم، أو نصحو على فقاعة أخرى أكبر من فقاعة الأزمة المالية، وجاء تراجع أسعار النفط ليزيد من خطر التضخم السلبي، ويحد من قدرة السياسات النقدية على معالجة تراجع الأسعار، بل ويزيد الحاجة إلى تعميق التيسير النقدي، وكأن معظم العوامل تعمل على ترسيخ بيئة ما قبل الفقاعة، الحديث عن الفقاعة قد يكون سابقا لحدوثها بفترة طويلة، ولكن الهدف هنا أن يعي المستثمر، أن مخاطر تكون الفقاعة تبدو قائمة، وأن احتمالات تكونها أصبحت كبيرة، متى وكيف ستنفجر هذا ما لا يمكن أن نتوقعه، ولكن التوجه إلى شراء الأسهم، لتراجع المردود على السندات، سيدفع أسعار الأسهم لمستويات تجعل منها أدوات استثمارية، غير مجدية لغلائها، وقد يكون أول مؤشر على قرب الفقاعة من الانفجار، هو أسعار الأسهم غير منطقية، وقد تكون أسعار الأسهم والتي بلغت مستويات غير مسبوقة، مهما حدث يجب أن يكون المستثمر متأهبا لحدوث تراجعات في السوق، والعمل على تنويع محافظه، والاحتفاظ ببعض النقد في عملات صعبة، ويستخدم أدوات التحوط، وإن كان هذا كما قلت سابقا لأوانه، إلا أنه ضرورة، حتى لا يطمئن المستثمر ويستكين، فالسوق متقلبة وقد تتغير ولكنها لا تغفر لمن ينسى، لا تتوقف الفقاعات عن التكون، ولا تتوقف عن الانفجار، وآخرها كما تعلمون ألفين وثمانية، ولكن كل عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة، تتكون فقاعة معظم الأحيان بسبب العقارات، وارتفاع الأسعار في قطاع العقارات، ولكن هذا لا يمنع أن تكون السندات هي وقودها هذه المرة، والأسهم هي مطافها الأخير، ولكن من الواضح أن السياسات المالية لم تستطع أن تقوم بما يراد بها من قبل المصارف المركزية، وأنها انساقت وراء تلك السياسات لدرجات كبيرة، لعدم توفر أدوات أخرى لدى تلك المصارف، ولأنها تواجه خطر التضخم السلبي، ونعرف أنه في مثل هذه الحالات، تنشأ في الأسواق ما يسمى، الخطر الأخلاقي، أي أن العلاقة بين المخاطر والمردود لم تعد قائمة، وهي عادة ما يلزم المستثمر بعدم أخذ مخاطر أكبر مما يستطيع معه الالتزام به، ولكن في حال تراجعت أسعار الفائدة لما تحت الصفر، فإن كلفة رأس المال لم تعد مكلفة، لدرجة أن يأخذها المستثمر في الحسبان، ولذلك فإن آلية العقاب والحساب في عالم المال، لم تعد تعمل مما سيسمح بالمضاربات تنمو وتكبر، لأنه ليس هناك كلفة كبيرة ولا مخاطر، يراها المضارب، وهذا الفصل بين العملية الاستثمارية وتكلفتها سيدفع المضاربين أكثر وأكثر، لأخذ مراكز في السوق، تعرض الأسواق العالمية إلى الخطر، ولذلك فإن خطر السياسات النقدية أصبح قائما، وعدم القدرة على التعامل معه قائم، وصناعة الفقاعة قائمة، وعناصر تكون الفقاعة قائمة وعلى المستثمر التيقظ والحذر وقراءة الأحداث وأخذ الحذر، مع أن السوق يبدو في الوقت الحاضر أكثر من جيد، ولكن هذه كما قلنا لابد أن تكون حاضرة في ذهن المستثمر، حتى يكون قادرا على قراءة إمكانية حدوثها وتجنبها في حال حدوثها.