07 نوفمبر 2025
تسجيلكنت في اليومين على منصة التحرير، وهناك فرق بينهما كما بين السماء والأرض، وإن اشتركا في فرحة غامرة ملأت قلوب أكثر المصريين، بل ملايين البشر في العالم عبروا عن فرحتهم لمصر والأمة والعالم، لأن مصر كما قال الشيخ علي الطنطاوي العالم السوري: هي مصدر الخير والشر لأمة الإسلام فما يجري فيها ينتقل تلقائيا في دول العالم العربي والإسلامي بحذافيره، ولذا كان يوم رحيل مبارك أسود يوم على بني صهيون وأعداء الإسلام، وأشد سوادا منه يوم نجاح د محمد مرسي بالانتخاب وليس بالقهر والتزوير، وقد عبر القرآن عن فرحة المسلم بذهاب الظالمين في قوله تعالى " فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين"، واليوم في ذكرى رحيل مبارك أذكر لحظة في غاية الأهمية وهي وقت صلاة الجمعة، وقصتها أنني جئت وأسرتي كلها من البحرين وأمريكا للتحرير مشاركين الشباب والرجال والنساء والفتيات، واتصلت بأمي الحنون رحمها الله قائلا: أستسمحك أماه أنني لن آتي من المطار إلى حضنك الدافئ كعادتي وحقك، بل سأذهب للتحرير بإذن الله ولن أخرج حتى يرحل عن كاهل مصر حسنى مبارك، فرضيت أمي وأمطرتني ومصر بوابل من دعواتها الثرية النقية القوية، وفي يوم الخميس توقع العالم كله أن يتنازل لكنه ظل معاندا حتى النفَس الأخير، وهنا رأيت في التحرير شبابا وفتيات رفعوا الأحذية، وهتفوا صارخين بسقوطه ونظامه، وأغشي على بعضهم، وطلبت الكلمة، وكان مما قلته يومها: إنَّ فتْح العراق وخراسان، والشام وفلسطين،وليبيا والمغرب العربي لم يستغرق من كل فاتح سوى عدة أشهر، إلا مصر فقد استغرقت أربع سنوات من الصحابي الجليل، والقائد الحكيم، والسياسي البارع، والعسكري المحنك، عمرو بن العاص ومعه خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بنا بذنوبنا، وأن الصحابة قد صبروا لفتح مصر سنوات أربع حتى وصل الإسلام إلينا، فإذا ظننتم أن 18 يوما تكفي لتغيير وجه التاريخ بمصر فأنتم واهمون، ودعوت لصمود الرجال، وصبر الأبطال، وعزائم الأحرار، واحتساب الأبرار، وفي يوم الجمعة صباحًا توافد الملايين على الميدان فاقتُرح أن تكون هناك خطبة ثانية، تستوعب هذه الملايين، وبسرعة تم إعداد منصة أخرى للجمعة في مواجهة المتحف المصري، ورُشحت أن أكون خطيب الجمعة فوافقت، وخرجت للجمعة سائلا ربي أن يجعلني سببا في رحيل الظالمين عن كاهل مصر، وبدأت خطبتي أرد على المفتي آنئذ وبعض التيارات التي أفتت بحرمة الخروج على حسني مبارك تحديدا، وأن من فعل ذلك لعنه الله لأن الفتنة نائمة ملعون من أيقظها، وأخذت أدلل على وجوب الرباط حتى يرحل مبارك ونظامه وأوله عمر سليمان، وذكرت من ألوان مخازيهم من الاستهزاء بالله وبرسوله، وبالقهر للمؤمنين، والذلة على الكافرين، خاصة الصهاينة المعتدين، وسلب ونهب عرق وجهد الكادحين، وقلت يومها إن مبارك وعائلته وحاشيته قد سرقوا من كل مواطن 120ألف جنيه على الأقل، أما يوم نجاح د مرسي فقد كان آية أخرى، حيث كنت على المنصة أجد الشباب والسياسيين يتكلمون ويهددون من تزوير الانتخابات، وقلت يومها على المنصة: أحذر المجلس العسكري من الإشراف والضغط لتزوير الانتخابات لصالح شفيق- حيث كانت كل الدلائل تشير لذلك – وقد غرد مصطفى بكري المقرب من المجلس العسكري - أن الحرس الجمهوري توجه صباحا لبيت أحمد شفيق ليستلم الأمر أول إعلان النتيجة وقلت: لن نترك الميدان إن زورت الانتخابات، وقد كان مبارك أقوى شكيمة وقد أودعه الله السجون هو وأولاده بظلمه وتزويره وعناده، وكان الحديث السياسي غالبا، لكني رأيت رجلا من خيرة العلماء والمرابطين، وأعتقد أنه أكثر العلماء رباطا في التحرير، ووجودا في المواقف الصعبة، وهو الشيخ الدكتور جمال عبد الهادي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، وجدته قد نزل من على المنصة واتخذ من دون الناس حجابا تحتها يدعو متوسلا، ويتبتل متضرعا بمنهج:" فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا"، وهنا جاءتني فكرة عرضتها على إخواني في المنصة وأوصلوها للدكتور أسامة ياسين وزير الشباب مسؤول المنصة آنئذ، وهي أن نتوقف قبل إعلان النتيجة بساعة عن كل الكلام في السياسة، وأن ندعو الله مع الميدان كله أن يختار لمصر من يصلحها، وأن يلهم القضاة العدل والإنصاف، وألا يدخلوا على مصر تزويرا بعد الثورة، وكان اقتراحي أن يكون الدعاء من شيخنا د جمال عبد الهادي، ووافق الجميع على الفكرة لأن القلوب كلها كانت قد بلغت الحناجر من توقع التزوير لصالح شفيق وأذناب مبارك، لكن د جمال اعتذر لضعف صوته، وقال لهم: "خلُّوا د صلاح يدعو ونحن نؤَمِّن، فقلت لهم: والله لدعوة منه – مع ضعف صوته – خير من دعائنا جميعا، لكنه أصر على الرفض، وقبلت الأمر، وفتح الله قلبي برحمته في التبتل والدعاء، ورأيت وجوه المرابطين في التحرير، وتأمينهم من أعماق قلوبهم، فتذكرت لحظة رحيل حسني مبارك وقت الدعاء أثناء وبعد خطبة الجمعة فأيقنت مرة أخرى أن اليوم سيكون تاريخيا في نجاح العالم المهندس السياسي الحافظ الدكتور محمد مرسي وجاءت صلاة العصر فصلينا، وجاء الفرج قويا مؤثرا، وسجد الجميع شكرا لله كما سجدوا يوم رحيل مبارك، وعلت الأصوات بالحمد والثناء على الله والتهليل والتكبير، كأن يوم رحيل حسني مبارك قد افترقا في ذهاب حاكم ظالم ومجيء عالم عادل أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا، واجتمعا في الفرحة الغامرة بفضل الله على مصر والعالم. ياقوم بالأمل والعمل والدعاء والقنوت ننال الحسنيين التمكين والنصرة في الدنيا، والمغفرة والجنة في الآخرة، والمشوار طويل أكثر من زمن الصحابة قطعا، لكن المفتاح كما هو الأمل والعمل والدعاء وحسن التوكل على الله تعالى، قال تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا" (سورة الطلاق من الآية: 7). هذا آخر أيام مبارك.