05 نوفمبر 2025
تسجيلهذا النظام لا يمكن أن يستمر، وهو غير قابل للبقاء.. مهما حاول رموزه التشبث بكراسيهم، ومصارعة أمواج التغيير العاتية المحيطة بهم، من كل جانب، لأنه باختصار يقف في وجه إرادة شعبه التوّاقة إلى الحرية والكرامة والحياة الكريمة، وضد رغبة غالبية عظمى من دول كارهة له على المستويين الإقليمي والكوني. ما زال النظام السوري يغطي وجه الحقيقة بغربال، ويظن أن المراوغة والمغالطة والمكر والدعاية الصفراء، وخنق الأصوات الصادقة، وتمزيق حناجر المعارضين له، ستعصمه من غضبة شعبه، واستحقاقاتها التي هي جزء من سنن الله في خلقه، وسنن التاريخ على مر العصور. كم أرثي للأبواق التي تظهر على الفضائيات ويستخدمها النظام في الدفاع عن بقائه، وهي تقلب الحق باطلا والباطل حقا، لإرضاء أمانيّه الكاذبة، ظنا منها أنها ستمنع أمرا لا عاصم له منه اليوم، وبخاصة بعد أن جعل أصابعه في آذانه، وأصرّ واستكبر استكبارا منذ أحد عشر شهرا وحتى الآن على الأقل، دون أن يصغي لأحد. المظاهر التي تؤشِّر على رحيله كثيرة، وأسباب ما انتهى وضعه إليه متعددة.. سنعرض أهمها في هذه العجالة باختصار، أما المظاهر فالداخلية منها تتلخص بما يلي: ـ إصرار الشعب على مواصلة احتجاجاته رغم وحشية القمع ضد المدنيين العزل، واستخدام كل الأسلحة في مواجهتهم، وتدمير وهدم البيوت على رؤوسهم، ورغم إدراك الشارع الثائر لحجم فاتورة التضحيات المرتبة عليه. وعندما كانت تخفت وتيرة الثورة في منطقة ما بسبب حصار أو مداهمة فإنها سرعان ما تعود مجددا. ـ اتساع نطاق المظاهرات والاحتجاجات لتصل إلى مدن ظلّ النظام يضغط من أجل عدم تحركها كمدينة حلب، وتصاعد عدد نقاط الاحتجاجات في المدن الأخرى. ـ فشل النظام في كسر إرادة مدن قام أو يقوم بمحاصرتها وعزلها وقصفها ودكّها بقذائف الدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ والأسلحة الثقيلة الأخرى كحمص ودرعا وحماة ودير الزور. ـ اتساع نطاق الاحتجاجات ضد سفارات وممثليات النظام والدول الموالية له في الخارج وصلت إلى حد اقتحامها ورفع علم الاستقلال فوقها، فضلا عن الوقفات الاحتجاجية واتساع حجم المشاركين فيها. ـ زيادة الانشقاقات في الجيش السوري، عددا ورتبا، وتعاظم شأن الجيش الحرّ، والعمليات النوعية التي ينفذها وبخاصة في دمشق وحلب وإدلب وجبل الزاوية، وعدم قدرة الدولة على بسط قوة أمنها في مناطق وأوقات معينة. ـ التدهور المتنامي للوضع الاقتصادي للدولة السورية، والعملة الوطنية، والاختناقات الحاصلة في تلبية سلع وخدمات أساسية كالمازوت والغاز والكهرباء. أما المظاهر الخارجية فلعل من أبرزها: ـ تزايد الدول التي تتبنى مبادرة الجامعة العربية بضرورة رحيل عائلة الأسد. ووقف كل أشكال التعامل الدبلوماسي مع دمشق، وتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتأييد تشكيل قوة حفظ سلام عربية أممية مشتركة، بعد إنهاء مهمة المراقبين العرب، والبحث عن صيغ دبلوماسية لمواجهته خارج مجلس الأمن الدولي (مبادرة أصدقاء شعب سوريا) ـ طرد السفراء السوريين كما قامت بذلك تونس ودول الخليج وليبيا، وازدياد مطالب جهات شعبية وأحزاب عربية بذلك. ـ التعاطف مع الشعب السوري ضد جلاّديه، وحشد التبرعات له وللحملات الساعية لتلبية الاحتياجات الإغاثية والإنسانية التي يحتاجها في الداخل وفي مخيمات النزوح. ولعل الأسباب الكامنة وراء ما انتهى إليه وضعه ما يلي: ـ عدم فهم سنن الله والمتغيرات من حوله، فسنن الله هي أن دوام الحال من المحال، وأن دورة الأمم والدول تمرّ في حالي صعود وهبوط، وأن الظلم مرتعه وخيم مهما طال الزمن، وأما الربيع العربي فقد كان عابرا للدول، وكان أنموذجا صالحا للتأسي من قبل الشعوب التي كانت مضطهدة مقهورة، رغم استبعاد بشار الأسد وصول رياحه لسوريا قبل بداية الثورة السورية. لا بد من زوال هذا النظام لأنه أمني بوليسي ظالم اقترف مجازر كبيرة ضد شعبه منذ أربعين عاما وحتى الآن، وسجن من سجن، واغتال من اغتال، حتى أقرب المقربين منه، ولأنه غير شرعي حيث تم توريث السلطة من الأب للابن في نظام رئاسي جهارا نهارا، ولأن سرق ثروات الشعب وأعاد عجلة التقدم إلى الوراء. ـ عدم استماعه لنصائح كل من نصحه من داخل سوريا وخارجها بضرورة اعتماد الحل السياسي والاستجابة لمطالب شعبه وتطلعاتهم والمسارعة في الاستجابة لمطالبهم، والابتعاد عن القبضة الأمنية في التعامل معهم. ها هو النظام يجهر بضرورة الحل الأمني من قبل أعلى رأس هرمه (الأسد ووزير خارجيته) ولا يرى سبيلا غيره، ويشرعنه باعتباره مطلبا جماهيريا، تفرضه ضرورة القضاء على "عصابات مسلحة " مزعومة. خسر النظام السوري شعبه، وامتداده العربي، وخسر غالبية الدول على مستوى العالم، وخسر الجماهير العربية التي كانت مغشوشة بمنطقه المقاوم، ولم يبق له إلا إيران وإسرائيل وروسيا والصين، يدافعون عنه لأنهم مستفيدون من بقائه. إن قوة هذا النظام وهمية مكتسبة من بطشه من جهة، ودعم دول حليفة له من جهة أخرى، لقد أسقط السوريون بعزيمتهم وصمودهم حاجز الخوف، ومرّغوا أنف هيبته بالتراب، وعندما ستتخلى عنه هذه الدول أو بعضها لاسيَّما إيران وروسيا سيسقط في الحال، وإن استمرار وتصاعد ضربات الشارع والمعارضين له كفيلة بإقناع حلفائه عما قريب بأنه لا فائدة من دعم نظام منهار متهاو لا محالة، وأنه لا حاجة لهم بنظام يحتاج لدعمهم المباشر ليبقى.