07 نوفمبر 2025
تسجيل"خالد المغيصيب" النائب التنفيذي لشركة "قطرلست"، إذ عملتُ في تلكَ الشركة ما يقارب السنتين، أدركتُ في تلك الشخصية جمال التواضع، يعامل الجميع بتواضع جم، يطلب من "سارة" صانعة القهوة، بكل رقي وذوق، يمتص منا جميع المشاكل بكل رحابة صدر وبكل تفهم، لم نحتج إلى موعد يوما حتى ندخل مكتبه، كان دائما مكتبه مفتوحا لنا، تماما كقلبه، قديما قرأت: "الشخصية العظيمة هي الشخصية المتواضعة"، وهكذا ايقنتُ فعلا. "محمد حسين" الرئيس التنفيذي السابق لبنك الاثمار، إذ كنتُ أعمل في البنك هناك، في قسم الاعمال المالية المصرفية الخاصة، لم أشعر يوما إلا وأنهُ الأخ الرئيس، يُبهرني بتواضعه العظيم، الذي كلما زادَ زادهُ رفعة، مازلتُ أتذكر أنهُ في كل مناسبة ينزل إلينا ليبارك لنا، فيهنئنا برمضان فردا فردا، ويبارك لنا العيد موظفا موظفا، يزور كل شخص في مكتبه، يسمع الشكوى من كل موظف، لا يسمع الشكوى وحسب، بل يسعى جاهدا لارضائه، وحين جاء اليوم الذي يودعنا فيه ليمضي قُدُما، خطب فينا الخطبة التي أبكت الرجال قبل النساء، والتي هزت الكبار منا قبل الشباب، وحين قال في خطبته عبارة: "لقد كنتُ حريصا أن أعاملكم المعاملة التي لا تجعلكم تقولون بعد استقالتي الحمد لله الذي خَلّصَنا منه"، والذي حدث بعد ما انتهى من خطبته أن جميع من سمعها شهدَ له بالخلق العظيم، بعبراته قبل كلماته، ولا أجمل من أن تتركَ الاثر بخلقك قبل عملك. أحد المسؤولين، تولى رئاسة أحد الاقسام منذ فترة ليست ببعيدة، وكأنه تولى زمام الكون، احسستُ من خلال تصرفاته أنهُ خليفة المؤمنين هارون الرشيد بل وأعظم منزلة، يدعي الانشغال ولا يقابل أحدا، وإن قابل أحدهم هَزءَ واستَخَفّ ونَهَر من أمامه، يطالب الجميع أن يعامله بطريقة معينة، ويناديه بمسمى معين، أضحك في نفسي حين رأيت وسمعت ما يحدث، الشخصيات البالونية، تنفجر سريعا، ويظهر الفحوى الخداع، أوَما قيل إن السنابل الفارغة شامخة دوما، والسنابل الممتلئة محنية رؤوسها! وهكذا حدث، كما تنبأتُ تماماً، تمت إقالته بعد ستة أشهر من انضمامه للشركة.. حينَ أتأمل الناس، أرى فيهم من عُجِنوا بطين التواضع، وما ارتقوا لمرتبة المتواضعين إلا حينَ بلغوا من العلم مبلغهم، وحين أرى المزهو بنفسه، أدرك أنهُ رضيع العلم، حفظ منه كلمتين فتباهى، وحوى كيسهُ درهمين فاعتلى، وحصل على شهادتين فظنّ أنهُ خرقَ الأرض وبلغَ الجبال طولا. المضحك أن البعض لا يجد ضعيفا ليمارس عليه مرضه، فيجد عند الفقير المغترب ضالته، حتى إذا ما ذهب إلى "البقالة" صرخَ وزجر، ونهر وهدد، وابتذل في الكلمات، وما أكثر المرضى في زماننا، الذين يظنون انهم بذلك قد بلغوا من القوة مبلغهم، نحمدُ اللهَ إذ عافانا. قال الحسن البصري: "التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا"، وقد قيل: العلم ثلاثة أشبار من دخل في شبره الأول تكبر، ومن دخل في شبره الثاني تواضع، ومن دخل في شبره الثالث علم أنه لا يعلم". أوَسألتَ نفسكَ يوما في أي شبرٍ أنت! قابلتُ رئيس وزراء إحدى الدول يوما فرأيتُ تواضعا فائقاً، حتى قال في مجمل الكلام عبارة يعجبُ فيها من المتكبر إذ كان بالامس نطفة وغداً يُصبح جيفة، فأدركت حقا أنهُ لا يتكبر إلا حديث نعمة، أو جاهل أدرك من العلم ما لا يغني ولا يسمن. اللهم اجعلنا ممن قال فيهم المصطفى: "إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا، الذي يألفون ويؤلفون.." آمين.