06 نوفمبر 2025
تسجيل"كان زمان"، غنت أم كلثوم "كان زمان" وفي مارس 1916 وقع وزير خارجية فرنسا (بيكو) مع وزير خارجية بريطانيا (سايكس) معاهدة تحمل اسميهما. كان ذلك منذ قرن، ودارت الأيام، كما غنت أم كلثوم أيضا، حتى وصل العالم إلى اتفاقية مستنسخة مع بعض التحوير وتحمل اسمين مختلفين لرجلين آخرين وزيرين للخارجية هما (جون كيري) و(سيرجي لافروف) وتلك الأيام نداولها بين الناس. تغيرت القوى العظمى ولكن الذي لم يتغير هو المشرق الإسلامي الضحية، لأن كلا من الثنائي (سايكس- بيكو) والثنائي (كيري – لافروف) يتقاسمان مع الأسف بعد قرن من الزمن نفس التركة لذات الرجل المريض. يا للهول!، كما صرخ فقيد المسرح العربي يوسف وهبي في أحد أفلامه الأبيض وأسود!، نعم يا للهول ونحن عاجزون عن وضع أيدينا على مصائرنا والتحكم في مجرى تاريخنا، ولسنا وحدنا في هذا الوضع، بل إن القارة الأوروبية باتحادها وتراثها السياسي وعلاقاتها المتينة مع هذا المشرق تشكو اليوم من هزال دولها وهشاشة مؤسساتها وقلة حيلتها أمام تفاقم الأزمات الخطيرة في عقر ديارها وفي العالم من حولها ولا حول لها ولا قوة أمام تسونامي الأحداث المتلاحقة!.اليوم تواجه أوروبا أكبر موجة مهاجرين من نفس هذا الشرق الأوسط وتعجز آلياتها المشتركة صلب اتحادها عن الاتفاق حول حلول ولو مؤقتة واستعجالية للمعضلة وصدق أحد الشباب التوانسة هذا الأسبوع، حين كتب على جداره بالفيسبوك قائلا: "نحن في تونس عدد مواطنينا 11 مليونا واستقبلنا عام 2011 ما يقارب 2 مليون من الأشقاء الليبيين دخلوا على أفواج من حدود (رأس جدير) وأكرمناهم كما أكرمونا هم في ليبيا حين هاجرت قبائل تونسية إلى ليبيا منذ أحداث سنة 1911 ثم أحداث 1952، وكذلك فعل الشعب التونسي مع أشقائنا الجزائريين إبان الثورة المباركة من 1956 إلى 1961، واليوم أوروبا القارة المتحدة ذات الـ508 ملايين ساكن (حسب إحصاءات منظمة يورو ستات سنة 2015)، عجزت عن إيواء 456 ألفا من البؤساء السوريين والعراقيين والأفارقة الفارين من الحروب والناجين من القصف والإرهاب والإبادة. كتب هذا الأسبوع الخبير الفرنسي (رينو جيرار) في صحيفة (لوفيجارو) يقول: "إن لأمريكا إستراتيجية ولروسيا إستراتيجية وللصين إستراتيجية إلا نحن في الاتحاد الأوروبي، فبالرغم من مؤسساتنا الاتحادية العريقة والراسخة ورغم 28 دولة تشكل الاتحاد و751 عضوا منتخبا في البرلمان الأوروبي و55000 من كبار الموظفين يعملون في مختلف مؤسسات الاتحاد، فإننا نحن المواطنين الأوروبيين، نشعر أننا في مهب الريح ولا يحمينا أحد من مخاطر هذه العولمة المفروضة علينا. ويحلل الخبير الفرنسي أسباب فشل الاتحاد الأوروبي فيقول: "إن لفشلنا أسبابا ثلاثة، أولها إخفاق التنسيق الاقتصادي منذ أن اجتمعت قمة أوروبية في لشبونة عاصمة البرتغال سنة 2000 ووضعت ميثاق تنمية مشتركة في خطة عشرية تمتد إلى 2010 التزمت فيها الدول الموقعة بوضع القارة الأوروبية في طليعة اقتصادات المعرفة، أي القائمة على تكنولوجيات الاتصال والخبرة الرقمية ثم العمل على تحقيق التشغيل الكامل للخريجين والوافدين على أسواق الشغل مع تحسين نوعية الحياة وتحقيق الرفاهية. ويتساءل الخبير أين هذه الأحلام الطوباوية اليوم ونحن غارقون في عكس هذه الأمنيات لم نصل إلى درجة ابتكار حلول لمعضلة لم نتوقعها وكان المفترض أن ننتظرها ونستعد لها وهي معضلة الهجرة. ويفسر الخبير الفرنسي هذا الفشل بعدم إلزامية القرارات الأوروبية والمناورات الانتخابية في كل الدول والتي تدفع السياسيين للكذب والتسويف والديماغوجيا.السبب الثاني هو فشل الاتحاد في فرض المنظومة القانونية الأوروبية على المجتمع الدولي.أما السبب الثالث للإخفاق الأوروبي هو بالطبع عجز الاتحاد عن الوصول إلى حلول إنسانية وسياسية وقانونية لموجات المهاجرين الراهنة.