15 نوفمبر 2025

تسجيل

الشعارات الجوفاء

14 أكتوبر 2015

في الثورات والحروب تجد الثوار أو الجنود يرددون شعارات معينة قد تم اختيارها بعناية، بغية شد الأزر وبث الحماسة وتركيز الأذهان نحو أهداف معينة من الثورة أو المعركة أو المسيرة أو غيرها من تجمعات، وكلما كانت الشعارات دقيقة وعملية، ومن يهتفون بها صادقين في خطواتهم ومخلصين في نياتهم، ومدركين لمعاني شعاراتهم، كلما كانت احتمالات تحقيق نتائج إيجابية أكبر والعكس صحيح.في معركة بدر، رفع المسلمون شعاراً محدداً هو "أحد أحد" وأرادوا به الإعلان أمام المشركين، أنه لا إله إلا الله الأحد الصمد، فلا هبل ولا اللات ولا مناة، فتدفقت الحماسة في النفوس المؤمنة وهي تواجه أهل الكفر والشرك لأول مرة.. أحد أحد، زادهم وثبتهم في مواقعهم فكان النصر.تأتي معركة أحد، ويتخذ المسلمون شعاراً جديداً لهم هذه المرة يقول "أمت أمت"، أي دعوة لاستئصال أهل الشرك وقتلهم، خاصة بعد التوبيخ القرآني الذي نزل بعد معركة بدر حين تم أسر كثير من المشركين بدلاً من قتلهم، وهو ما لم يكن يرغبه الفاروق عمر، حيث رأى القتل وليس الأسر، وبالمثل كان قد انزعج سعد بن معاذ وهو يرى المسلمين يومئذ يتسابقون في أسر المشركين، حتى رأى النبي الكريم في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ فقال سعد: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إليَّ من استبقاء الرجال.جاءت إذن معركة أحد وفي الأذهان ذاك التوبيخ القرآني، فكان شعارهم أمت أمت، استجابة للأمر الإلهي "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم".فكان الشعار حماسياً دافعاً للمسلمين يومئذ، وهم يدركون ما يعنيه الشعار تماماً وأن قائله معرّضٌ للقتل أيضاً، فالمسألة ليست شعاراً يُقال ويهتف به، بل فهمٌ عميقٌ له واستعدادٌ للتضحية بالنفس في سبيل تجسيد الشعار على أرض الواقع.إن أكثر ما ابتليت هذه الأمة من بعد ذلك، هي في الشعارات الجوفاء الرنانة، التي يرددها ويهتف بها كثيرون من على منابر شتى، لا يعون معانيها ومقاصدها.. وأحسبهم إن أدركوها، كانوا أول من ينقلب على عقبيه، ومن هنا، لابد أن يدرك أحدنا كلماته قبل أن تخرج من فمه، فما أسهل النطق بما شئت واستحسنت من كلمات وعبارات، لكن ما أصعب ترجمتها على أرض الواقع، والأمثلة حولنا أكثر من أن تحصى.