10 نوفمبر 2025
تسجيلفي سبتمبر 2014 التهبت العديد من المدن السودانية بمظاهرات حادة قابلتها الشرطة السودانية بعنف شديد هنا وهناك. كان قوام تلك المظاهرات السلمية هم شباب نضير خرج محتجا على زيادات كبيرة على أسعار الوقود تأثرت بها معيشة جميع المواطنين البائسة بطبيعة الحال، الفقراء منهم والمستورون على حد سواء. كان الإجراء الطبيعي والمتوقع هو أن تجلس السلطات المعنية بتلك الأزمة إلى أولئك المحتجين وتستمع إلى شكاياتهم أولا. ومحاولة تقليل الآثار السلبية لتلك الزيادات على حياتهم في مرحلة قادمة ربما بتلمس سبل أخرى غير تلك التي أثارت الأزمة. سبل توائم بين ظروف الدولة الاقتصادية وبين الحفاظ على الحد الأدنى المعقول من حياة عامة الناس الذين يعانون بما لا مزيد عليه من المعاناة. كان ذلك هو المطلوب والمتوقع. ولكن الحكومة اختارت الطريق الأصعب والشاق للتعامل مع الأزمة. وهو طريق إنكار وجود أزمة بسبب تلك الزيادات. والإصرار على أن أثرا محدودا جدا سيقع على كاهل الطبقات الثرية فقط دون غيرها. وحتى في هذه الحالة زعمت الحكومة أنها وضعت من التدابير ما يعالج أثر هذه الزيادات حتى على مستوري الحال. كان واضحا أن حملة الحكومة الإعلامية ما هي إلا مغالطات بلا ركائز لم تلبث أن انهارت في اليوم الأول من سريان الزيادات في أسعار الوقود الذي يقتحم تأثيره كل الجيوب بطبيعة الحال. ومثلما غابت الحكمة عن الحكومة وهي تدخل في مغالطات فجة تنكر فيها وجود أزمة تبدو بادية مثل الشمس في رائعة النهار، غابت عنها للمرة الثانية الحكمة في رد فعلها تجاه احتجاجات مواطنيها على تلك الزيادات التي ضربت جيوبهم المثقوبة في اليوم الأول من بدء سريانها.لم يكن غريبا أن تبدأ الحكومة باستعمال الذخيرة الحية في محاولاتها لفض المظاهرات الشعبية العارمة التي انطلقت في معظم المدن السودانية تهتف من الأعماق بهتافات شعوب الربيع العربي. فهتافات الربيع العربي أصبحت تثير الهلع والأعصاب لدى المعنيين بتلك الهتافات وفي مخيلتهم مصائر زملاء لهم كانوا في الأمس القريب ملء السمع والبصر، فأصبحوا اليوم أثرا بعد عين في غمضة عين وانتباهتها بما أحدثته فيهم وفي نظمهم تلك الهتافات الجارفة. وتساقط الشباب النضير في طرقات المدن السودانية قتلى ومجروحين بالمئات فقط لخروجهم في مظاهرات سلمية حملوا فيها سلاحهم الوحيد المتاح لهم بطبيعة الحال وهو ذلك الغضب السلمي يغلي في قلوبهم التي في الصدور ضد حكومة لا ترعى فيهم إلا ولا ذمة. ولكن غضب الحكومة عليهم كان أقوى. فقد قابلتهم بالرصاص الحي يعوى في بطونهم الخاوية يمزقها بقسوة شديدة بلا خشية أو ندم.. ألم يتبجح (الرئيس!) وهو يحكي لصحيفة عكاظ السعودية كيف أنه استعمل الخطة (ب) لتفريق المظاهرات في أقل من أربع وعشرين ساعة. والخطة(ب) هي التعبير الدبلوماسي المعدل من التعبير العسكري المعروفShoot to kill.الشباب النضير توسد الثرى مقتولا مظلوما، وتوسد العدل الثرى بجانبه مركونا ومهدرا، وتوسدنا نحن خيبة العمر الباقية!.أخ.. يا بلد!.