09 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); وقفت على قائمة بأسماء خمسة وثلاثين عالماً من علماء سوريا وحدها، فقدتهم الأمة فى مسيرتها إلى الله خلال السنوات الخمس الأخيرة، من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والقراء والمحققين، كان آخرهم الفقيه المفسر الشيخ وهبة الزحيلى – رحمهم الله جميعا، وغيرهم كثيرون في سائر بلاد العالم الإسلامي... ثلة من الهداة رحلوا فارتحل معهم خير كثير، وكوكبة من العلماء الربانيين واراهم الثرى، فدفن بدفنهم علم غزير. قال سعيد بن المسيب: شهدت جنازة زيد بن ثابت فلما دلى في قبره، قال ابن عباس: "من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم، فهكذا ذهاب العلم، والله لقد دفن اليوم علم كثير". هؤلاء وأمثالهم من أوعية العلم هم بركة الأيام، وحسنة الزمان، وهبة السماء، وبلسم الدنيا، وأدلاء الخلق على ربهم، ووسطاء الهدى بين السماء والأرض، والنور الذي شق الطريق أمام الحيارى وسط دياجير الظلام، وشموس المعرفة التي سطعت؛ فبددت جهالات العقول، وأنهار الهدى التي ارتوت بها – ومنها - قلوب الظمأى، إنهم ورثة الأنبياء. لاعجب – إذن - إذا كان الجهل قرين فقدهم، والضلال نتيجة غيابهم، فهم صمام الأمان للمجتمعات، ومصابيح الهدى للأمم والشعوب. هذا ما أشارت إليه السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". فليس العلم في مكتبات تشيد، وإن كانت المكتبات وسائل لا بد منها، وليس العلم في مطبوعات تطبع، وإن كانت المطبوعات طرائق ضرورية لتحصيله، ولكن العلم في همم طلابه، المشمرين عن سواعد الجد فى تحصيله، الحاوين له في صدورهم، الذين يحملونه في قلوبهم أينما حلوا وارتحلوا، الذين يداومون على مطالعته ومذاكرته ليلا ونهارا، وإلا فما أكثر المكتبات العامة التي تشتكي من قلة زائريها، وما أكثر المكتبات الخاصة التي اتخذت مظهرا من مظاهر الزينة "والديكور" في المنازل، وما أجود المطبوعات التي علاها التراب، زهدا وهجرا من مقتنيها، وما أكثر المقتنيات - من نفائس الدرر، وفرائد الجواهر- التي تضمها "فلاشة" باحث، أو "ذاكرة" كمبيوتر، ولكن عز من يستفيد بها، وكأنها تقص حكاية الحمار الذي يحمل أسفارا. حكي أن ابن رشد الحفيد الفقيه المالكي: لم يدع النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على زوجته. لقد حبب إليهم السهر بين الكتب، وجعلت قرة أعينهم بعد الصلاة في التأليف والتعليم والإرشاد والتنقيح ، أو كما قال قائلهم : سهـري لتنقيـح العلوم ألذ لي *** من وصل غانية وطيب عنــاق زانهم العلم والأدب ، فرفع الله قدرهم وأعلى شأنهم ، وإن لم يكن لهم نصيب من المال والمنصب ، حتى قال الشافعى عن نفسه : علي ثياب لو يباع جميعـــها *** بفلس لكان الفلس منهن أكثــــرا وفيهن نفس لو تقاس بمثلها *** نفوس الورى كانت أجل وأكبرا لقد خاضوا معارك الدفاع عن الشريعة، وتمعرت وجوههم لله، ووقفوا أنفسهم لدعوة الإسلام، وأخذوا بأيدي الناس إلى ربهم، وعاشوا لله، وماتوا فى سبيله. نحزن لفراقهم، وتلاحقهم الدعوات الصالحات في قبورهم، ويستفيد الأحياء من تراثهم، وتشحذ سيرتهم ومسيرتهم همم الخلف من بعدهم، ويستمر الخير في أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل لواء العلم ومشاعل الدعوة، العلماء والدعاة، جيلا بعد جيلا، وتستمرمسيرة العلماء في وراثة الأنبياء، يصنعهم الله على عينه، ويصطفيهم من خلقه، ولن يخلو عصر من قائم لله بالحجة كما قال الفقهاء والأصوليون، والأمة الشريفة لا بد فيها من سالك إلى الحق على واضح المحجة إلى أن يأتي أمر الله، كما قال ابن دقيق العيد. وهذا ما نوهت إليه السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". صححه الألباني في مشكاة المصابيح. رحم الله علماءنا، وأخلفنا – وأخلف الأمة - فيهم خيراً.