05 نوفمبر 2025

تسجيل

خطة موسكو لإبادة الشعب السوري

14 يونيو 2012

طرحت تداعيات الأزمة السورية خاصة بعد المجازر الأخيرة في الحولة والقبير وما سبقها من أعمال قتل وحشية ضد المدنيين تساؤلات عديدة بشأن حقيقة الموقف الروسي حيال تلك الأزمة، وهل موسكو تقف على الحياد أم هي منحازة بصور مطلقة للنظام السوري الذي لولا الدعم اللوجستي والعسكري الروسي وكذلك الدعم الإيراني السياسي والمعنوي والاقتصادي لما استمر بشار الأسد في مكانه يوما واحدا بعد اندلاع الثورة السورية؟ ويحق لنا مباشرة وبدون تناول الحيثيات والبراهين والأدلة أن نقول إن روسيا تخلت عن موقف المحايد واتجهت بقوة إلى الانحياز ضد رغبة الشعب السوري الذي يئن من جراء مجازره اليومية وضحاياه ومصابيه. وكان حري بروسيا التي تريد العودة بقوة إلى لعب دور استراتيجي عالمي لتعويض ما فاتها من ادوار، أن تقف بجانب الشعب وليس النظام حتى تخلق نظرة إيجابية في العلاقات الدولية، ولا تستغل الموقف لترتفع عالميا على حساب ضحايا أبرياء. ومن الواضح أن روسيا تنتقم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا بسبب انتصاراتهم في ليبيا ومن قبلها في الأزمة اليوغسلافية والتي انتهت باتفاق دايتون الشهير والذي رفضته روسيا بشدة لأنه وقف إلى جانب جميع الفرقاء خاصة البوسنة ضد المجازر الصربية والتي دعمتها موسكو آنذاك أيضا لأنها أرادت لصربيا السيطرة على كافة أنحاء الاتحاد اليوغسلافي السابق. فروسيا تريد انتهاز الفرصة لتفرض موقفها في الأزمة السورية ويبدو أنها سعيدة للغاية وهى تستقبل كل يوم مسؤول دبلوماسي دولي يحاول خطب ودها للاستجابة إلى الخطة الدولية ودفع بشار الأسد نحو ترك السلطة طواعية والكف عن قتل وتعذيب شعبه وتلبية مطالب خطة كوفي أنان. ولكن هيهات، فروسيا وبدلا من أن تشارك في خطة إعداد ترتيبات ما بعد الأسد، تتهرب من مسؤولياتها الدولية وتدعي أنها "مسألة مبدأ".. أي مبدأ تدافع عنه سوريا وهى ترى القاتل والضحية ولا تتدخل بينهما، ثم تزعم أن غياب الأسد يعني نشر الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، ثم تدعي أيضا أنه من الأفضل أن يكون التغيير بيد السوريين أنفسهم وألا يفرض عليهم من الخارج. في حقيقة الأمر، أن الكرملين نجح في أن يجعل من نفسه لاعبا رئيسيا في اللعبة السورية، وهو هنا يحاول تعويض انتكاساته في الأزمة الليبية ومن بعدها اليمن، ولا يهم موسكو هنا استياء أوروبا والمجتمع الدولي والأمم المتحدة وأمريكا بسبب تواطؤ روسيا مع قوات الأسد، في الوقت الذي لم تتعرض موسكو لاعتراضات من جانب الدول العربية بسبب هذا التواطؤ بسبب المشاكل العربية الجمة التي تحول دون توجيه سهامهم إلى الدب الروسي، ويبدو أن بالموضوع بعض المواءمات السياسية، إذ ربما يرى العرب أن لروسيا منفعة لاحقة ولذلك فهم لا يريدون إغضابها في الوقت الراهن حتى وإن كانت تساهم بقدر لا بأس به في زيادة أعداد القتلى السوريين، فالطيران والقذائف والصواريخ روسية الصنع. ويبدو أن الروس لا يكترثون بما يحدث حولهم، فهم أسرى نظرية أزمة الشيشان عندما تعرضوا لانتقادات دولية جمة بأنهم يستخدمون القوة المفرطة لإجهاض هجمات الثوار الشيشانيين، ولذلك فإن هناك قناعة داخل المجتمع الروسي أيضا وليس فقط على مستوى الكرملين بان ما يصوره الغرب ووسائل الإعلام بشأن بشاعة الموقف في سوريا ما هو إلا أكاذيب يرددها الإعلام الغربي للتأثير على الشعوب عندما تتخذ قرارات جادة للتدخل العسكري في سوريا لمناصرة الثوار. ولذلك رأينا موسكو تقلل من أهمية ما ينشر يوميا بشأن المجازر والقتل الجماعي لتستعيد بذلك مخزونها من العقل الجمعي الروسي الذي يؤكد أن هجمات الثوار الشيشان كادت تقض مضاجع الدولة الروسية العريقة لولا التدخل القوي من قبل الجيش الروسي.. وهو ما تربطه موسكو بالوضع في دمشق، فهم يتصورون أن المعارضة ما هي سوى جماعة مرتزقة تحاول زعزعة استقرار سوريا وإزاحة بشار الأسد عن سدة الحكم تلبية لرغبة الغرب وأمريكا في إحداث التغيير الشامل في المنطقة. ولذلك نجد كثير من المسؤولين الروس يتعامون عما يجري داخل سوريا ويلقون مسؤولية استمرار العنف على قوات المعارضة السورية والدول الأجنبية. وهنا يقول مسؤول روسي إن الغرب وأمريكا تبعث بالمتطرفين والمتشددين بمختلف أنواعهم سعيا وراء تحقيق أهدافهم الخاصة، ثم يحذر من كارثة ستشهدها منطقة الشرق الأوسط بأكملها إذا تدخلت قوات دولية دون تفويض من مجلس الأمن. تداعيات الأزمة السورية تطال الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين، حيث إن لديه أسبابه الداخلية القوية التي تدفعه التمسك بموقف بلاده من الأزمة. والسبب أن سلفه ديمتري ميدفيديف فشل في مواجهة المتشددين داخل الحكومة الروسية بسبب قراره عدم التحرك للحيلولة دون التدخل الغربي في ليبيا، مما أدى إلى سلسلة متتابعة من الأحداث بلغت ذروتها بمقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان هو الآخر حليفا لروسيا. وينطوي قبول تنفيذ خطة انتقالية في سوريا على مخاطرة بأن يلقى بوتين مصيرا مماثلا لميدفيديف، كما سيعني أيضا التراجع عن موقف ما زال يحظى بتشجيع أوساط السياسة الخارجية الروسية. الغريب أن بوتين يعلن وبملء فيه أن بلاده تتبع سياسة تعزيز الأمن العالمي ولديها التزام أخلاقي كبير للدفاع بقوة عن مواقفها خاصة وان دروس الحرب العالمية الثانية مازالت مفيدة وأن "احترام سيادة الدول" ضمانة مهمة لعدم اندلاع الحرب مرة أخرى وذلك في إشارة تحذير للجهود الغربية لتغيير النظام في سوريا. وبعد موقف بوتين يخرج علينا وزير خارجيته سيرجي لافروف بزعمه أن روسيا لا يمكن أن تقول للأسد "ارحل". بيد أن الذي لم يفصح عنه الدبلوماسي الروسي ان بلاده ستخسر المشتريات السورية الضخمة من الأسلحة الروسية، وكذلك نظام يعتمد على موسكو في كل شيء، وإذا انهار هذا النظام لوقعت منظومة الدومينو بالكامل.. وسيرجي لافروف يستغل هنا بعض المعطيات الحقيقية ولكنها لا تمثل الكثير بالنسبة للمعارضة السورية مثل أنها تلقى تمويلا من الخارج، وهو الأمر الذي يصوره الروس على أن أطرافا أجنبية تمول "مرتزقة سوريين" وتدعم قوى متطرفة لتحقيق أهداف جيوسياسية. ربما يبدو في الوقت الراهن أن فكرة دعم موسكو لإزاحة الأسد من سدة الحكم صعبة نوعا ما، ولكن ثمة بعض السيناريوهات التي طرحها الروس أنفسهم وتتعلق في أن للدبلوماسية الروسية خطة لخروج سلمي للأسد يجري التخطيط لها بعناية على أن يقتنع الشعب السوري وحده بأنه هو الذي حقق هذا الهدف.. ويدعم هذا التوجه أن موسكو وبوتين يعلمان تماما أن الأسد بات يفقد مستقبله السياسي وانه راحل لا محالة، وبالتالي يمكن الترويج للفكرة المشار إليها لكسب ثقة النظام السوري المقبل وعدم قطع العلاقة مع دمشق التي تعد بحق بيضة ذهب للروس.