07 نوفمبر 2025

تسجيل

إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ضد مصالح العرب ؟

14 مارس 2017

اللهم هب الشفاء و العافية للرئيس بوتفليقة. عادت بي الذاكرة لعشرين سنة مضت حين كان بوتفليقة بعيدا عن السلطة و التقيت به عديد المرات في الدوحة حين يحل ضيفا عزيزا على صديقنا المشترك الشيخ علي بن جاسم أل ثاني و نستمع الى درر من تحاليله للأوضاع الدولية و التي تأكد لنا اليوم عام 2017 أن أغلبها تحقق حين نرى العالم العربي يتفتت و يتجزأ ليرسم الكبار لنا خارطة جديدة تخدم مصالحهم و تزيد في إخراجنا من دائرة التاريخ. و أذكر أنه أثناء غداء في بيت صديق عزيز مشترك هو أبو ناصر أل خليفة الذي كان سفيرا لدولة قطر في الجزائر أثرنا فرضية ( سايكس بيكو) جديدة يمهد لها أقطاب اليمين الأمريكي و البريطاني و الفرنسي و الإسرائيلي (و التحق الروس بهم بقوة اليوم) بقصد تغيير جذري لخارطة ما سماه الغرب آنذاك بالشرق الأوسط المريض ويسمى بعد قرن بالشرق الأوسط الكبير. هذا التغيير الذي تحتمه انقلابات الموازين جذريا من 1916 (سنة سايكس-بيكو) إلى 2017 مرحلة تصادم قوى الغرب بطموحات صينية و روسية صاعدة و تشكلات أوروبية متنامية. وكان منطلق حديثنا أنذاك الكتاب الأكثر إثارة للجدل و الأشهر في نهاية القرن الماضي وهو الكتاب الذي توسع في بحث نشره ( صامويل هنتنجتون ) في مجلة ( الشؤون الخارجية ) بعنوان ما يزال يحرك الأقلام إلى اليوم وهو (صدام الحضارات ). و أذكر أن بوتفليقة قصد إثارة التفكير و الحيرة لدى أصدقائنا الخليجيين وكانوا من بين نخبة الفكر والثقافة حين ألقى بحجر مثير في بركة الاطمئنان قائلا : " من يدري إذا ما كانت نوايا مخططي الغرب اليوم تهدف في مستقبل قادم و مجهول إلى تسهيل هيمنة الهند وإيران على الخليج العربي تحت مظلة أمريكية...! " و أمام دهشة مضيفينا الكرماء راح المتحدث يحلل أسرار التحولات الكبرى التي يمكن أن تجعل هذا السيناريو قابلا للتنفيذ. فالغرب له مصالح دائمة و لعل النفط يفقد تدريجيا قدرته الحيوية مع تصاعد ستراتيجي و تكنولوجي للهند ذات المليار وربع المليار ساكن، و تغير سياسي كامل تسعى لتنفيذه قوى الغرب الراهنة في إيران مما يرشح الهند وبلاد فارس لاستعادة دورهما "التاريخي" الذي ما يزال حيا في أذهان الهنود و الإيرانيين كالنار تحت الرماد على حساب المصالح العربية و بالطبع اغتناما لحالة الوهن الراهنة للعرب بانتشار خمس حروب عنيفة في ليبيا و سوريا و العراق و اليمن و السودان. و سيتلقف الغرب المسيحي هذا الوضع الجديد حتى لا ينقض المارد الصيني وحده على الإقليم بأدواته الاقتصادية و التجارية الصاعدة. في نفس هذا السياق لحديثنا في التسعينات يتواصل الحديث اليوم و بأكثر حدة حول بوادر ساطعة لتقليص دور المملكة العربية السعودية و مصر في محيطهما العربي لتمكين تركيا من القيام بمهمات تبدو اليوم مقبولة بل و مطلوبة عربيا و يتعاطف معها أغلب العرب لكنها مهمات لن تتناقض مع التزامات أنقرة كعضو كامل في حلف شمال الأطلسي ولا مع اعتراف تركيا بدولة إسرائيل و تعاونها التقليدي معها تجاريا و عسكريا أي تصب في نهاية المطاف في خانة نفس قوى الغرب و لا تخرج عن التصور الشامل لشرق أوسط جديد ( أو كبير..) كما رسمه كتاب معروف لشيمون بيريز بنفس الاسم أو كتاب ثان للوزير الإسرائيلي (ناتان شارانسكي) بعنوان (رسالة الديمقراطية في الشرق الأوسط) الذي كان كتاب بوش الإبن المفضل أثناء حربيه على أفغانستان و العراق. وعودة إلى استشراف بوتفليقة الذي استفز بشكل لطيف أصدقاءنا الخليجيين الكرماء منذ عقدين، ما أزال معتقدا بأن الزمن القريب القادم يخبىء لنا نحن العرب مفاجأت من العيار الثقيل. التاريخ ملئ بالأمثلة الساطعة للاعتبار. فمن كان يصدق سنة 2000 بأن العراق سيحتل و بأن بغداد ستدك و بأن دولته ببعثها و جيشها و إدارتها و متاحفها و جامعاتها ستدمر و بأن العراق سيقسم فعليا إلى ما نرى اليوم من الطوائف و النحل؟ و أن رئيسه سوف يلقى ذلك المصير في بلد يباب؟ و من كان يصدق سنة 2000 بأن اليمن الذي خرج من حربه معززا بوحدته سيعيش إنشقاقا خطيرا بين شمال حوثي و جنوب انفصالي و وسط صنعاني؟ و من كان يصدق سنة 2000 بأن فلسطين التي جنت بعض ثمار كفاحها الطويل سوف تقسم إلى ضفة و قطاع.