10 نوفمبر 2025
تسجيلإن الإسلام يمجد العقل لا باعتباره أداة لاستيعاب المعلومات وتخزينها ثم استرجاعها وتحليلها فحسب، بل يعتبره أهم أداة لمعرفة الخالق عز وجل ولولاه لأصبح الإنسان حيوانا بهيميا لا يعي من واقعه الاجتماعي شيئا ولا يهتم بأمر مثل اهتمامه بغرائزه الحيوانية. فالحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن صوره لأنه الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه. وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهيةهي مناط التكريم الذي حظي به الإنسان ومن أجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة أن يسجدوا لآدم تكريما له. فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني والأمة، نعيش في هذه الأوقات فتنا كبرى ومتغيرات خطيرة تعصف بنا كعصف الريح العاتية بالورقة اليابسة. فتن تمر على العباد كقطع الليل المظلم، تتبدل فيها الأحوال وتتغير فيها النفوس وتضيق بها صدور أهل الحق حتى يصبح فيها الحليم حيرانا.فالمسلم بحاجة إلى الثبات على الدين والحرص على القيم الإسلامية والفطرة السليمة والتصدي لهذه الفتن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في سجوده اللهم مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بطلب الثبات ويدعو الله تعالى به في سجوده فالناسأولى وأحرى إلى ذلك. فمن أعظم الأسباب في تحقيق الثبات على الدين أن يعتصم المسلم بالكتاب والسنة، فإنهما الأصل وأساس الخير وحزام الأمان من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور، فمن اعتصم بهما فقد هدي ومن استمسك بهما فقد فاز وأفلح، فلابد للفرد من الاجتهاد في تنمية قوة إدراك العقل لمفاهيم الخير والشر والتمييز بينهما عن طريق علوم الطبيعة والدين والأخلاق وما يتعلق بهما من معارف وغايات. فحينما يحاول العقل إنشاء العلوم النافعة للإنسان في حياته العملية، فإنه يستخدم طاقته الجبارة لإنشاء نظرية معاشية تدله على تعلم العلوم التطبيقية كي تدر عليه شتى أنواع المنافع، وتيسر له سبلالعيش الإنساني الكريم، فالإنسان يتمتع بغريزة حب الاستطلاع والفضول وكسب المعرفة واكتشاف أسرار الطبيعة فتوسعت مداركه بالمعرفة والنقاش العلمي البناء ولولا الفضول المتأصل عند الإنسان لما حصل التقدم العلمي والحضاري متمثلا بالاكتشافات والاختراعات التي حصلت في العالم ولبقي الإنسان بدائيا همجيا. فكل إنسان يمتلك عقلين الأول انفعالي يتعلق بالحزن والغضب والحب والخوف والثاني فكري يتعلق بالإدراك والفهم والتعامل مع الأمور بعقلانية فإذا نشط أحد العقلين يضعف الآخر ولغرض الوصول إلى المعرفة والتقدم الحضاري والعلمي لابد من إعطاء دور كبير وفاعل للعقل الفكري وعدم إغلاقه وإخضاع كل شيء للسؤال والنقاش لأدراك الحقيقة وهو الشرط الأساسي للتقدم العلمي والحضاري لكل أمة. فإن تعطيل عقل الإنسان المسلم ولجوئه إلى التقليد الأعمى بأساليب تعتمد على الوهم والدجل والخرافة والاعتقادات الغيبية والتي قد تصل إلى الأسطورة وإلى تعطيل التفكير السليم وإيقاف الإبداع عند الناس فتنتشر ظاهرة العرافين والسحرة الدجالين الذين يوهمون الناس بامتلاكهم علم الغيب وكشف الطالع ولكن الحقيقة ما هو إلا ضحك على عقول البشر. فقد نشط العديد من الفلاسفة والمفكرين المسلمين لتطهير الفكر الإسلامي مما تعلق به من شوائب وما تسرب إليه من أفكار وأساطير لكي يتواصل الإسلام مع الحضارة والعصرنة والتجديد الفكري المتوافق مع روح الإسلام وعقيدته السمحة وبما تتطلع له الإنسانية.فلقد أمر الإسلام بالشورى وحرية الرأي وحل المشاكل بالحوار البناء ولم يأمر بمصادرة الرأي ولا قطع الرقاب. فإن المسلمين مطالبون بفك العزلة مع المجتمعات الإنسانية والرجوع إلى العقل وتبنيهم لفكر يقوم على حرية التفكير وينظر إلى الإنسان باعتباره غاية الوجود وصاحب الإرادة والاختيار والذي يؤدي إلى إحداث نهضة في المجتمع الإسلامي. فإن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بينا، يظهر ذلك جليا في اختلافهم في استقبال المحن والمنح. فمنهم من ربى نفسه على الطاعة والقرب وأدبها في البعد عن المعاصي والملذات.فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة صامد كالطود الشامخ فهم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسر فضبط نفسه في الحالين. فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد، فحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه. الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل. ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحقق للإنسان البقاء وللأرض الإعمار والصلاح وللبشرية بالأمان.