14 نوفمبر 2025

تسجيل

مرحباً بالفكر الأخضر الجديد.. وبعداً لحدائق الأسمنت والفولاذ "1"

14 يناير 2013

في 22 مارس 1945 أنشئت الجامعة العربية لأهداف نبيلة لا مجال لسردها الآن، وفي 22 مارس 1983 ولأهداف نبيلة أيضاً سار موكب مهيب من 27 شخصاً، بينهم الجنرال المتقاعد والممرضة والموظفة وعامل البناء ومجموعة من المعلمات، وطبيب بيطري وفني كمبيوتر وثلاثة مهندسين وأستاذ زراعة جامعي وصاحب مكتبة ومحام واحد، كلهم يسيرون عبر شوارع العاصمة الألمانية، يتقدمهم رمز للكرة الأرضية، وغصن ذابل أحضروه من الغابة السوداء، حيث قتله التلوث، كان هذا الموكب وحوله مندوبو الحركات الإنسانية العالمية يشق طريقه نحو مجلس البرلمان الألماني بقلب ثابت وجأش رابط ونفس مطمئنة. دخل الموكب المهيب البرلمان وسط هتافات جموع الجماهير ليتخذوا مقاعدهم كممثلين منتخبين عن أول تنظيم جديد في ألمانيا منذ أكثر من ثلاثين عاما، وأصروا على الجلوس في الوسط بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي وأطلقوا على أنفسهم اسم "الخضر" هؤلاء الضيوف الجدد هم المفرزة الأمامية لتنظيم لا حزبي – كما أعلنوا – وأن هذا التنظيم هو الصوت المعبر عن الجماهير العريضة، فقد تقدم أعضاؤه باقتراحات متكاملة لكل الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية في بلدهم وفي العالم، وتعرضوا في هذه الاقتراحات للخواء الروحي للمجتمعات الصناعية. إنهم في الحقيقة جدد في كل شيء؛ في نشاطهم من أجل السلام، ونظرياتهم عن البيئة، ومعارضهم للأسلحة النووية والذرية، واتصالاتهم بحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، إنهم جدد حتى في تعابيرهم ولغتهم الواضحة الصريحة غير المنمقة كلغة السياسة الحزبية التقليدية الغامضة. ويعتبر الخضر أنفسهم الممثلين الوحيدين لكافة الحركات الجماهيرية السلمية والبيئية والمتصلة بتحرير المرأة ونزع السلاح الذري. ولذا نجد أن العضو السياسي في هذا التنظيم هو أيضا عضو فعال ونشط في إحدى هذه الحركات السابقة الذكر. ولهذا فلابد من وجود تباين فكري داخل هذا التنظيم الذي يمكن تقسيمه إلى أقسام أربعة؛ المثالي والبيئوي والسلمي واليساري الراديكالي، ولكنهم ينفون هذا التناقض الفكري لأنهم كلهم حجر في البناء. فالقسم المثالي (الأخلاقي) ينصب اهتمامه على مبدأ التطور للمجتمع الجديد، المرتكز على طرق التفكير المتفاعل مع الطبيعة بكل ظواهرها، إن القسم يريد من جماهيره أن يتجاوزوا بفكرهم عالم الماديات المسيطر على الفكر الأوروبي، منذ أكثر من 40 سنة، لأن جماهير هذا القسم المثالي الأخلاقي يفهمون الاقتصاد على أنه يعطي شيئاً آخر غير الأمور المالية. أما القسم الثاني – البيئيون – فتركز جهودهم مبدئياً على كيفية حماية الطبيعة من النفايات والتلوث الجوي والإشعاعات الذرية وأي مخاطر أخرى، وبالتالي فهم يدعون إلى استعمال مصادر تقنية ذات وجه إنساني، وهذا القسم محافظ وتقليدي وأصوله ترجع إلى المناطق الريفية. وأتباع القسم الثالث هم أتباع حركة السلام جاءوا إلى التنظيم من الحركات الرافضة للصواريخ الذرية، وينادي أعضاء هذا القسم بإلغاء الكتل السياسية العالمية، ونزع السلاح العالمي والدفاع الاجتماعي. أما القسم الرابع فهو الجناح اليساري الراديكالي ومعظم أفراده أصلاً من جماعات ماركسية متعددة، وهم الأكثر نفوذاً وتأثيراً داخل التنظيم، على الرغم من قلة عددهم. والمتأمل لأعمار المنتسبين لهذا التنظيم يجدها تتراوح بين العشرين والخمسة والأربعين أي أنهم جيل جدد عاش بعيداً عن عقد وذنوب أجداده الذين تعاونوا مع النظام النازي، أي أنه جيل بلا ماض مشين، ولذلك عندما قامت ثورة الشباب في الستينيات متحدية جيل آبائهم، كانت نفوس هذا الجيل قد امتلأت بمشاعر الكراهية لجيل آبائهم الذي سمح للنازية بأن تمتد وتسود. وعند محاولة التعرف على الشخصيات النافذة في مؤسسات هذا التنظيم في القرى والمدن والضواحي والجامعة يجد الباحث تناقضا حادا بين التنظيم الأخضر والأحزاب الغربية الأخرى والأمريكية بوجه خاص، ففي أمريكا يشكل المحامون الصفوف النافذة في المناصب، وفي إدارة الحزب، بينما تجد في التنظيم الأخضر قياديين من أناس عاديين، كالباحثين الاجتماعيين والممرضات والقساوسة والكتاب والتراجمة ورجال الأعمال والمعلمين الذين هم أكثر الفئات المهنية لعضوية التنظيم.