09 نوفمبر 2025
تسجيلهل القاعدة موجودة في لبنان أم غير موجودة؟ ربما سؤال لم يعد له أهمية بقدر التداعيات والسجالات السياسية القائمة بين الفرقاء اللبنانيين حول القاعدة نفسها.. والأمر لم يعد مجرد تداول معلومات صحفية أو تسريب تحقيقات أمنية تجريها السلطات المختصة وإنما تحول إلى ظاهرة طالت المجتمع اللبناني من أسفل هرمه إلى رأسه.. فانقسم اللبنانيون على نفس انقسامهم السياسي، فريق 8 مارس بجميع مستوياته من سياسيين ومحللين تلفزيونيين وشرائح داعمة تؤكد وتنافح عما أورده وزير الدفاع فايز غصن عن امتلاك قيادة الجيش معلومات حول تسريب للسلاح والعناصر الأصولية إلى سوريا عبر المناطق الحدودية المتاخمة في الشمال والبقاع. وفريق 14 مارس الذي ينفي نفياً قاطعاً وجود تنظيم القاعدة في لبنان –على الأقل – بالدرجة التي تتحدث عنها قوى الأكثرية. وفي هذا يقول رئيس الحكومة السابق سعد الدين الحريري على موقعه الخاص على تويتر "إن الحديث عن وجود "القاعدة" في لبنان هو فبركة من الاستخبارات السورية". ردّ قوى 8 مارس لم يكن متأخراً ولم يلجأ إلى وثائق وكيليكس ليؤكد وجود القاعدة في لبنان وإنما وصل لحد اتهام قيادات 14 مارس بجلب مقاتلين من القاعدة وإيوائهم في مناطق سنية موالية لتيار المستقبل وتسهيل عبورهم إلى سوريا. ففي مؤتمره الصحفي الذي عقده في السادس من الشهر الحالي توجه ناصر قنديل وهو من الشخصيات اللبنانية المقربة جدا من النظام السوري بالسؤال لسعد الحريري قائلاً " لماذا تجاهلت دور القاعدة في حربي الضنية ونهر البارد على الجيش اللبناني كدورها في الصواريخ الطائشة في الجنوب، أم أن الحلف مع القاعدة تحت رعاية الأمير بندر يضع في الفم ماء؟ هذا الحكم ليس خاصاً بقنديل بل غالبية قوى 8 مارس تدعهم لاسيَّما تلك التي تنطق بلسان النظام السوري مثل الوزير السابق ميشال سماحة الذي صرح لإذاعة النور التابعة لحزب الله بالقول: "هناك وجود للقاعدة في لبنان وإن فريقا رسميا يغطيها ". أما رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي فلم ينأيا بنفسيهما عن الجدل الدائر بين قوى الأكثرية والأقلية وهما اللذان يصنفان ضمن دائرة الوسطية السياسية وإنما نفيا جملة وتفصيلاً ما أورده وزير الدفاع ورفضا حتى الحديث عن وجود بيئات لبنانية حاضنة لتنظيم القاعدة وفقاً لما قاله رئيس الجمهورية ميشال سليمان من بكركي، في 25 من الشهر الماضي، "إن أي لبناني أو أي بلدة لبنانية لا تقبل بإيواء الإرهاب، وجميعهم يتعاونون مع الدولة لمنع حصول إرهاب أو إيواء إرهابيين". وما بين نفي الجمهورية والحكومة واستماتة وزير الدفاع وقوى 8 مارس في تأكيد وجود القاعدة كانت القلاقل والاضطرابات الأمنية تزداد وتيرتها في لبنان انسجاما مع سخونة الجدل السياسي حول القاعدة ودورها في تفجيرات دمشق على مدار أسبوعين، علماً بأن الجانب السوري ما فتئ يحذر من انفجار المنطقة برمتها في حال استمر الضغط على سوريا. وإذا كان أغلب الاستدلالات التي تؤكد على وجود القاعدة تستند إلى تنظيم فتح الإسلام الذي ظهر في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عام 2007، فإنه من الإنصاف التذكير بأن التحقيقات التي أجريت مع من تم القبض عليهم لا تؤكد على أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة، وإن كانت المشاورات تجرى على قدم وساق في محاولة من فتح الإسلام للحصول على تبني واعتماد من تنظيم القاعدة قبل أن تستبقهم الأجهزة الأمنية وتدخل معهم في معركة حسمت لصالح الجيش اللبناني.. ولعل المعلومات الأكثر دقة في ملف فتح الإسلام تشير إلى أن التنظيم تشكل من نوعين من المقاتلين، نوع كان من صنع المخابرات السورية وحظي بدعم وتسهيل للعبور من سوريا إلى لبنان لغايات سياسية معروفة ونوع آخر كان من شباب عربي خدع بطريقة ما للقدوم إلى لبنان، إما للدفاع عن السنة بوجه حزب الله وإما ظنا منه أنه قادم إلى مواجهة إسرائيل في شمال فلسطين. يحضرني في هذا المجال ما قاله وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور المحسوب على وليد جنبلاط حين سئل عن وجود القاعدة في لبنان فأجاب: "يجب أن لا نخلق قضايا ثم نصبح أسراها". فنحن بالفعل لم يعد مهماً ما إذا كانت القاعدة موجودة في لبنان أم لا بقدر ما يهمنا توظيف هذا الحضور من عدمه وكل له مصلحة في هذا التوظيف. وجميعنا يعلم أن التخلص من القاعدة وتحييد لبنان عن مجالها التخريبي إنما يكون بتبني سياسة حكومية تمنح اللبنانيين الطمأنينة وتحملهم على الالتفاف حول الدولة في وجه أي مشاريع تتناقض مع قيام الدولة والعبور إليها.