07 نوفمبر 2025

تسجيل

وثائق ويكي ليكس... وديمقراطية الدمار

13 ديسمبر 2010

إن أقل القليل وخواص الخواص هم الذين يدركون لعبة الديمقراطية وما حفها ويلصق بها من مخاطر في حين نرى الأكثرين يتغنون بشعار هذه الديمقراطية التي انتشرت في العالم وكأنها المخلص الوحيد للشعوب من معاناتها لتدخلها في حديقة السعادة الغناء، وذلك اعتمادا على ما تتحفها من الحرية العامة والمساواة بين الأفراد واحترام الإنسان وتكريمه باعتباره واحدا من الشعب الذي يجب أن يكون مصدر السلطات جميعا بالفعل والممارسة لا بالقول والنظر فقط، وهذا ما يجب أيضا أن يساوق تعريف الديمقراطية التي هي حكم الشعب بوساطة الشعب من أجل الشعب كما يقولون ولكن هؤلاء الكثيرين ممن باتوا يلمسونه في عالم التطبيق الواقعي في الحياة غربا وشرقا وشمالا وجنوبا قد وصل جلهم إلى الحقيقة التي لا معدل عنها وهي أن هذه اللعبة في جميع العالم، خاصة الثالث منه إنما يستخدمها الساسة لشرعنة تسلطهم على رقاب الشعوب وبنسب مختلفة ربما تصل في بلادنا إلى 99% فقط! يستوي في ذلك من يحكمون بالملكية والوراثة والجمهوريون المزيفون الذين صاروا يتعشقون الوراثة أكثر من أصحابها والعسكريون المتسلطون غالبا والذين لا يفقه أكثرهم ألف باء السياسة مما يعود بنا لإقرار الحقيقة التي فرضت ويجب أن تفرض نفسها وهي استبدال الشورى بالديمقراطية، إذ الشورى نظام إلهي منبعه الوحي الذي يستلهم منه المشرعون الفقه والفكر الواعي الذي هو الأقرب للصواب على حد قول هارون الرشيد رحمه الله "من شاور كثر صوابه" وقول سقراط: "شاور الجميع" ولأنه كما يقول المثل العربي "المشورة عين الهداية" وقد استبد برأيه من خاطر بالبعد عن الشورى، كما قال علي رضي الله عنه وكما في الحديث الشريف (ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأرشد أمورهم واعتبر الإسلام أن كل ذلك من واجبات الحكومة بتطبيق مبدأ الشورى والإفادة به من الرجال والنساء، وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والتابعون والسلف الصالح أحسن المثل في ذلك عبر التاريخ سلما وحربا، وأقاموا هذه الشورى على أسس عتيدة ليس فيها فوضى ولا غوغائية وعشوائية بل هي شورى حقيقية معتبرة تشمل الجميع لتحقيق العدل القومي والإنساني، منطلقين من توجيه الله لرسوله (وشاورهم في الأمر)، "آل عمران: 159"، والمدح الذي أثنى به على المؤمنين (وأمرهم شورى بينهم)، "الشورى: 38"، وهذه سورة كاملة في كتاب الله بهذا الاسم نفسه تعظيما لحق هذه الشورى وتنويها بضرورتها للحياة، ولكن وللأسف الشديد فقد بات من ينقد الديمقراطية السالبة التي أهلكت الحرث والنسل والتي هي أقرب إلى الدم قراطية بفتح الدال لا كسرها يعتبر متشدداً يسبح ضد تيار حريات الشعوب وحقوقها بل لم يسلم هذا المصلح حتى من بعض الإسلاميين غير اليقظين. إن أصل مصطلح كلمة الديمقراطية لاتينيا هو ديموس أي الشعب وكراتوس أي السلطة فهي سلطة الشعب فأين سلطة الشعب يا جماعة التي اعتبرها مدره الإسلام مصطفى صادق الرافعي أقوى من الحكومة كما اعتبر أن الحق أقوى من القوة. إن هذه الديمقراطية الغربية والعربية والإسلامية الرسمية المعاصرة لا تبني مرتكزاتها في الغالب إلا على الوصاية المفروضة على الشعوب المقهورة وبمركزية للحكم لا نظير لها على حد ما نراه ونعاني منه بأمثلة لا تحصر أمثلة توضح لكل ذي عينين أن الشعوب تابعة كالقطيع ويجب أن تسير في سعير الأيديولوجيات الفاشية والدكتاتوريات المتفننة وتصطلي بنارها وأن هذه الديمقراطية السلبية لا تعني سوى الانتخابات الشكلية، ومع ذلك فأكثرها مزور ويخدم أجندة إقليمية وخارجية ولا يمكن أن يعبر الحاكم فيه والنواب عن أشواف وحاجات وعواطف الشعب وأن الحزب التابع له هو سيد الموقف عموما وهذا ما كان يراه ريتشارد جاي سابقا في الغرب وهو ما يجري الآن في بلادنا، حيث إن هذه الديمقراطية لا تدعو إلى التفاؤل في ظل نمو البيروقراطية وتضخم أجهزة الحكم وتزايد اعتماد الجماهير على الدولة وحدها في تسيير شؤون الحياة متوصلا إلى نتيجة انقراض عوامل حكم الشعب بعد ذلك على ما نقله الدكتور بشير زين العابدين في مقاله بمجلة السنة العدد "106 ص 57" مردفاً أن الكثيرين من أعضاء مجلس العموم البريطاني مثلا يعترفون أنهم لا يملكون أي سيطرة لاتخاذ القرارات لأن زمامها أصبحت بيد قيادة الحزب بالتحالف مع الشركات العملاقة والاستخبارات السرية وامبراطورية الإعلام وبالطبع فهذا يصدق على أمريكا في الغالب وعلى أحزاب حكومات العرب التي يأتي بعض رجالاتها إلى الحكم معدما ثم يثري ثم يكون هامورا يمتلك الكنوز من عرق هذه الشعوب البائسة المسكينة ويا ويل من ينبس ببنت شفة، إذ ليس له إلا أن يساق إلى ما سيق إليه يوسف الصديق نبي الله إلا أن يوسف لم يصب عليه العذاب صبا ولم تستخدم نحوه أبشع تقنيات التعذيب بلا هوادة وفي هذا الغضون تأتي وثائق موقع "ويكي ليكس" بأرقام هائلة لفضح ديمقراطية أمريكا والغرب فيشهد شاهد من أهلها على ديمقراطية الدم في العراق وفلسطين وأفغانستان خصوصا وفي العالم عموما لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، هؤلاء الناس الذين لا يريدون خيرا ومكسبا إلا لأنفسهم كاليهود المعادين لكل ما ليس منهم وإنه وكما قال هيكل الخبير على قناة الجزيرة الأسبوع الماضي إن إسرائيل إلى زوال بأفعالها الإجرامية فإن أمريكا ألعوبتها والغرب المترصد بنا لن يفلحوا مستقبلا كما يدعون بحضارتهم مهما زخرفوا خطاباتهم البراقة الجوفاء كالطبل الفارغ وهذه هي سنة بقاء الأمم وزوالها ولن تتخلف وفي هذا كل الدافع لنا كي نستأنف دورنا الزاهي الذي أسس مجدنا من جديد، وإذا كان بعض المفكرين يرون تشابها بين دولة الاستسلام والدولة الديمقراطية كالتركيز على مكانة الأمة وحكامها وكالاشتراك بمعاني المساواة أمام القانون وحرية العقيدة، وكذلك الفصل بين السلطات فإن ثمة نقاط خلاف أشد من التشابه وأهمها أن الشعب في الديمقراطية محصور جغرافيا وهو ما يعني القومية والعنصرية، بينما الإسلام نظام إنساني لا تعصب فيه ولا عنصرية، وكذلك فإن هدف الديمقراطية مادي بحت في حين أن هدف الإسلام يجمع الدنيا والآخرة وأيضا فلا ننسى أن سلطة الديمقراطية مطلقة حتى لو خالفت النظام الأخلاقي كإعلان الحرب واستعمار الشعوب الأخرى كما وقع ويقع اليوم وكذلك السماح باسم حرية الفكر والتعبير للانتقال إلى حرية الكفر والتحقير حتى لأخص المقدسات شخصا وموضوعا كالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكتاب الله والحضارة العربية والإسلامية، وكذلك إباحة الشذوذ مثلا وتقنينه مع أنه يخالف الجبلة الإنسانية بينما نجد حرية الإسلام مقيدة بالشريعة وصالح العباد والأخلاق راجع في هذا كتاب الأخلاق السياسية لمحمد زكريا النداف "ص 437-439"، فعلينا أن نعي هدف وجودنا في الحياة وألا تنطلي علينا الحيل باسم الديمقراطية وإني لأقول: إذا كنا نرى ملايين البائسين هم من حصاد هذه الديمقراطية بل ملايين قتلى الحروب فكيف إذا لم تكن ديمقراطية؟! لابد من صهر الشعوب حقيقة في بوتقة ديمقراطية غير التي نراها وسمها ما شئت إلا أن حكم الله بالشورى أولى بالصواب ولعل هذا ما نبه إليه جان جاك روسو سابقا من أن العبودية تسيطر على الشعب بعد انتخاب نوابه وما صرح به جوزف شمبتر محذرا: يروق للسياسيين استخدام الديمقراطية للجماهير فتحبها لكنها هي التي تمنحهم فرصة تجنب المسؤولية وسحق خصومهم باسم الشعب فأين العقلاء؟ [email protected]