17 نوفمبر 2025

تسجيل

واشنطن تعود إلى الاعتدال

13 نوفمبر 2020

تعاقبت التهاني للرئيس جو بايدن من كل قادة العالم، وبخاصة من زعماء الحزب الجمهوري منافس الديمقراطي، آخرهم الرئيس بوش الابن والسيناتور (ميت رومني)، كما توالت تهاني القادة العرب ومن كل القارات وبعض البرقيات من أنظمة عربية قليلة كانت تتمنى بقاء ترامب في الحكم وتميزت بالنفاق حالها حال (بنيامين نتنياهو) حليفهم الذي تقبل العزاء في رحيل ترامب من زعماء اليسار والبرلمانيين العرب في الكنيست، لكنه بدأ يسرد على الرأي العام الأمريكي والإسرائيلي حكايات صداقته القديمة لبايدن وعطف بايدن على إسرائيل!. وفي الحقيقة تطوي هذه الأيام مرحلة حالكة من تاريخ الولايات المتحدة الحديث (وهو ما قالته الواشنطن بوست)، ولسنا نحن بعد أن دفعت الأغلبية الشعبية الرئيس دونالد ترامب إلى باب الخروج من البيت الأبيض بعد أربعة أعوام مما سمته (الواشنطن بوست) بمرحلة البلطجة والمطبات السياسية الخطيرة التي كان سببها الأول مزاج رجل هبط على السياسة بمظلة مفاجئة من عالم الأعمال العقارية ومضاربات البورصة وصفقات الأسلحة، فوجد نفسه ووجده الشعب الأمريكي على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض ذات يوم من أيام 2016. وتعود العالم منذ ذلك التاريخ على نوع جديد من الحكم المزاجي المطلق المناقض للمنظومة الديمقراطية الدستورية الأمريكية، حيث دمر مكاسب الرؤساء الذين سبقوه فقام بإلغاء قرارات الرئيس أوباما المتعلقة بالتأمينات الصحية العامة، فعاد المواطن الفقير إلى سوء الحماية وانعدامها، كما ألغى التسهيلات البنكية المقررة منذ عهد بوش الابن الجمهوري قبله والتي تنص منذ أزمة النقد والإفلاس المصرفي عام 2008 على منح تسهيلات لأصحاب البيوت المشتراة بقروض، فعاد هؤلاء وعددهم يفوق 13 مليون مواطن أمريكي إلى العوز والفقر والتداين!. ثم اعتنى ترامب بما سماه الهجرات الأجنبية الغازية للولايات المتحدة، فأعلن غلق الحدود أمام الوافدين من بلدان ذات أغلبية مسلمة! وهو ما سمته رئيسة الكونغرس السيدة (بيلوسي) أخطر مروق عن الدستور! ثم شرع يبني جداراً أسطورياً مثل سور الصين يفصل بين أمريكا والمكسيك (أطول من 3000 كلم)، وطالب حكومة المكسيك بدفع مصاريف بناء السور العظيم!، ولحل معضلة البطالة في بلاده (11%) ابتكر حلولاً عجيبة وهي على قسمين: 1- تشجيع مصانع السلاح على زيادة الإنتاج وتشغيل العاطلين فيها وإجبار "حلفاء" أمريكا على شراء الأسلحة و2- ابتزاز أنظمة بعينها لدفع آلاف المليارات من الدولارات لتمويل قطاعات الصناعة الأمريكية الراكدة!. ثم على الصعيد الداخلي أيضاً شجع التيارات اليمينية المتطرفة العنصرية على توسيع مجالات ممارساتها بعد جرائم مصرع مواطنيه السود على أيدي بعض العنصريين من شرطته البيضاء فأحست منظمة (كو كلوكس كلان) الإرهابية أنها في مأمن أمين من العقاب والمساءلة فانبرت تؤيد ترامب وتدعو لانتخابه لعهدة ثانية!. هذه القرارات المتخبطة في الداخل رافقتها قرارات في السياسة الخارجية لا تقل بلطجة، وتتمثل في إعلان الانسحاب من المنظمة العالمية للصحة بحجة مضحكة وهي كونها تنتمي للصين!، كما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق العالمي للبيئة الموقع في باريس عام 2016 ثم سدد ضربة قاصمة لشعب فلسطين المشرد بوقف المساهمة الأمريكية في ميزانية وكالة الغوث الأممية (الأونروا) فسارعت دولة قطر الأصيلة إلى تعويض أمريكا بتمويل (الأونروا)، ثم أعلن ترامب الانسحاب من (اليونسكو) بدون تقديم أي سبب، وكانت واشنطن من مؤسسي اليونسكو سنة 1946 ودافعة ثلث ميزانيتها، وأعلن ترامب الخروج من المعاهدة التاريخية مع إيران للحد من برنامجها النووي، معللاً ذلك بكون المعاهدة غير حازمة، وعوض الموقف الأمريكي بفرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ثم توج هذه السياسات بإسناد القدس إلى إسرائيل كعاصمة أبدية موحدة للدولة العبرية كأن بيت المقدس ملك شخصي!، وسمعنا المسؤول الفلسطيني عن ملف القدس يوم الإثنين 9 نوفمبر يفضح دور الإمارات في تهويد القدس باستثمارات إماراتية مريبة دعمت المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية!. هذا هو الجرد الأمين لأربعة أعوام مما سمته (الواشنطن بوست) البلطجة والمروق عن الدستور الأمريكي مما أدى حسب رأي الصحيفة إلى كسور خطيرة في تركيبة الأمة الأمريكية ملفاتها اليوم أمام جو بايدن لجبر ما انكسر. كاتب تونسي [email protected]