10 نوفمبر 2025

تسجيل

مات الحجاج

13 نوفمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); صفحة فى تاريخ الأمة المسلمة سطرت بالدماء ، وحقبة من عمرها زيد لها فى البلاء ، تلكم الصفحة التى ظهر فيها الحجاج على مسرح الأحداث ، وتلكم الحقبة التي شهدت مولد الحجاج ومهلكه .كم دعت ألسنة بانقضاء أجله ، وكم ارتفعت أيدٍ إلى السماء تدعو بانتهاء عمره ، وطيِّ صفحته ، وإسدال الستار على هذا المشهد المأساوى من مسرح الحياة السياسية والاجتماعية.كان الحسن البصري لا يجلس مجلسا إلا ذكر فيه الحجاج ، ودعا عليه .وكثيرا ما يقول المسلم في تلقائية وعفوية ، عندما يأتيه نبأ وفاة مسلم ممن ظلم أو أفسد : أفضى لما قدم ، وهو الآن بين يدي ربه ، ولكن أن يبكي فرحا ، أو يسجد شكرا ، كبار العلماء بموت الحجاج ، فذاك الذي ينبئك عن عظم البلاء ، وشدة الضيق ، وحلكة الليل ، وسواد الحياة التي عاشها أهل ذاك الزمان .قال حماد بن أبي سليمان:لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح.ولما بشر الحسن البصري بموت الحجاج سجد شكرا لله تعالى، وكان مختفيا فظهر .وروى عبد الرزاق: أن طاووس لما أُخبر بموت الحجاج قال: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" . الأنعام: 45.كان همه إرضاء الخليفة ، ولم يأبه لرضا الخالق ، وأسرف في الظلم والقتل ، ونقض عرى الإسلام ، وحارب أولياء الله ، وانتهك الحرمات .وشهد في شأنه الإمام الأوزاعي فقال : سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: كان الحجاج ينقض عرى الإسلام . وقال عاصم بن أبي النجود: لم يبق لله حرمة إلا ارتكبها الحجاج .قاوم كثيرون من الأحرار الحجاج ، فاستقوى بجنده ، واستعلى بسيفه ، واستكبر في الأرض بغير الحق ، فلم يقدروا على غلبته ؛ فلما كان ذلك فوض الجميع الأمر لصاحب الأمر ، واختفوا عن عينه ، ولاذوا بالهرب ، وسلطوا عليه سيف القدر ، وأطلقوا عليه سهام السحر .قال أبو عمرو بن العلاء: كنا هرابا من الحجاج بصنعاء، فسمعت منشدا، ينشد: ربما تكره النفوس من الأمـ ***ـر ، له فرجة كحل العقالفاستظرفت قوله: "فرجة "، فإني لكذلك إذ سمعت قائلا يقول: مات الحجاج، فما أدري لأي الأمرين كنت أشد فرحا: بموت الحجاج أو بذلك البيت؟وفي حربه ضد خصومه ، قتل العلماء فكان أبرزهم سعيد بن جبير ، وسجن العلماء وكان أبرزهم مجاهد ، وامتلأت السجون في عهده بالرجال والنساء ، حتى قال الهيثم بن عدي: مات الحجاج، وفي سجنه ثمانون ألفا، منهم ثلاثون ألف امرأة.وقال السري بن يحيى : مر الحجاج - على السجون - في يوم جمعة، فسمع استغاثة، فقال: ما هذا؟ قيل: أهل السجون يقولون: قتلنا الحر، فقال: قولوا لهم: "اخسؤوا فيها ولا تكلمون" المؤمنون: 108 .وقد رأى بعض العلماء أن ظلمه ، وإسرافه في سفك الدماء ، قد ألحقه بالملعونين ،روى ذلك الثوري عن منصور فقال: سألت إبراهيم النخعي عن الحجاج ، فقال: أليس الله يقول :" ألا لعنة الله على الظالمين" . هود: 18 . لم يهتم بإصلاح ، ولم يعبأ بنهضة ، بل تناقص العمران في عهده ، حتى شهد عليه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فقال: ما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة ، ولي العراق وهو أوفر ما يكون من العمارة، فأخس به حتى صيره أربعين ألف ألف، ولقد أدى إلى في عامي هذا ثمانون ألف ألف وزيادة.مات الحجاج فقال بعض من حضره :ألا يا أيها الجسد المسجَّى *** لقد قرت بمصرعك العيونوكنت قرين شيطان رجيم *** فلما مت سلمك القرينومن عجب أن تمتدحه إحدى جواريه وهى تنعيه ببعض مظالمه ، فتقول : ألا إن مطعم الطعام، وميتم الأيتام، ومرمل النساء، ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات، ثم أنشأت تقول: اليوم يرحمنا من كان يبغضنا *** واليوم يأمننا من كان يخشانا مات الحجاج ، بعد مرض كان يقول فيه : ما لي ولك يا ابن جبير؟ مات الحجاج وترك رسالة لكل من يقتفي أثره عنوانها : مات الحجاج ، وسيموت كل حجاج .