09 نوفمبر 2025

تسجيل

بأي حال عدت؟

13 أكتوبر 2013

عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى ام لأمر فيك تجديد مطلع قصيدة رائعة موغلة في القدم خلدها بإبداعه شاعر الفروسية والفخر ابو الطيب المتنبي حيث صدح بقصيدته منذ الف عام وربما أكثر ولا زلنا نردد وراءه هذه الكلمات حتى يومنا هذا كلما جاء العيد فلم نعد نحمل لاستقباله سوى هذا المطلع الحزين المتسائل في ذهول وحديثي هنا ليس عودة العيد بأحزان اكثر وهموم أعمق وتطورات ابشع إنما حديثي عن سر خلود هذه الأبيات التي صدح بها صاحبها وهو غارق في قاع الهم والحزن حين جاءه العيد وهو في السجن بعيدا عن الأحبة في غير البلاط الذي أبدعت فيه قريحته الشعرية أفضل قصائده. وبعيدا عن الوطن الذي احتضن إحساسه الشعري في نسيمه وهوائه وأرضه وسمائه وعلى الرغم من ان هذه القصيدة تشرح جرحا ذاتيا وتنبع من وجدان متألم متحسر لأسباب ذاتية؛ فإن هذا المطلع بالذات من قصيدته انتشر بشكل مذهل وخلد في ذاكرة الأدب العربي حيث تناقلته أفواه المهتمين بشعر المتنبي في عصره وتسيد على أزمنة الثقافة العربية وها هو إلى اليوم نراه حاضرا في مخيلة الكتاب والمثقفين  يستلهمون منه، ويفتتحون به مقالاتهم كلما جاء العيد ويكتبون إحزانهم التي تأتي في غير وقتها دائماً اضافة الى انتشاره بشكل كبير في كل المستويات الأدبية الثقافية والفكرية  وتلك هي آيات خلود شعر المتنبي خاصة حين قال عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى ام لأمر فيك تجديد هو ليس فقط بيت من الشعر قيل منذ حوالي الف عام بل هو رمز وشعار يفتتح به الأديب العربي خزانة أوجاعه وهمومه حين يستحضرها في العيد واستغرب كيف لقصيدة عمرها الف عام و لازالت تنزف بغزارة كلما جاء العيد..   عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ    فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها        وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً                  أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي     شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِناً وَيَداً أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ         عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ   إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ  بلا شك في مثل هذا الوضع المأساوي الذي يخيم على الأمة العربية والإسلامية وفي سياق من الهموم والآلام يرزح تحت وطأتها وجدان الأمة العربية الإسلامية وهي ترى يوميّاً أسلحة الظلم تقتل الشعوب وتبيد الأطفال  وتحرق المنازل  وعلى رغم والتحركات العربية و العالمية لإيجاد حلول مناسبة  فإن الأمر باق على ما هو عليه حتى يوم العيد. لذا لم نجد ولن نجد ابلغ ولا اصدق من مطلع هذه القصيدة التي رسمت أحزان الشاعر في لحظة حزن وغربة لتمتد هذه الأحزان وتظل تنبض تحت وطأة الواقع الأليم الذي جعل الشعراء والمثقفين لازالت يتساءلون كلما جاءهم العيد ،بأي حال عدت؟