رحلة إلى مستشفى القلب في صحبة الدكتور جيهاني

هموم الأمة العربية ومصائب قياداتها تجاه هذه الأمة من المحيط إلى الخليج كل تلك الهموم حطت رحالها الثقيلة على قلبي، كادت تمزق شرايينه أو في أحسن الحالات تقيم السدود لتمنع تسرب الدم إلى بقية أجزاء جسدي النحيل وفي اعتقادي أن تلك السدود والحواجز على تسرب دم قلبي إلى بقية الجسد لا تقل في خطورتها وآلامها عن حصار قطاع غزة الذي تمزق شرايينه اليوم من كل مكان برا وبحرا وجوا والحق أن ظلم وقهر وحصار ذوي القربى أشد مضاضة من وقع قنابل بني صهيون. (2) رأى طبيبي العام أن تخطيط قلبي على الورق تشبه لوحة مقياس ريختر لقياس الزلازل، فأحالني إلى جهة الاختصاص مستشفى القلب ودون الإطالة في الشرح أثبتت الأجهزة العلمية المتطورة أن في قلبي خللا وكان الدكتور جيهاني يوصي بالفحص بالعين المجردة عبر كاميرا صغيرة تخترق مجاهل الجسد النحيل لتصل إلى القلب الذي داهمته هموم العرب لتلحق به الأذى. (3) قبل أن أسلم نفسي وحياتي إلى الدكتور جيهاني حفظه الله من كل شر، تقتضي الإجراءات التحضيرية معاينة طبيب في العيادة ليكمل بقية الفحوصات ثم ليصدر تعليماته لصاحب القلب العليل ما يجب عليه أن يفعل قبل الـ 48 ساعة من الدخول إلى مسرح عمليات القلب محكمة التعقيم. كان الطبيب عربي الوجه واللسان أمطرني بمجموعة من الأسئلة عن حالتي الصحية وما أتعاطاه من أدوية وهل هذه المرة الأولى تخضع قلبك لفحوصات دقيقة، أجبته على كل ما سألني عنه بكل وضوح. (4) في نهاية استجوابه لي طبيا جاء دوري لأسأله ما هي أعراض هذه العملية التي ستخترق جسدي النحيل لتصل إلى قلبي المكلوم على هذه الأمة والحق أن إجابته أصابتني بالصدمة والخوف على ما تبقى من حياتي رغم أنني لم أشعر بمتعة في هذه الحياة أحزن على فراقها. قال بكل برود: قد يحصل لك نزيف داخلي نظرا لضعف الشرايين أو خطأ فني أو ما شابه ذلك، وقد يحدث هبوط في القلب أو توقف، وقد تحصل جلطة دماغية وقد يحصل ما يحصل. قلت وما هي الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه الحالات قال: سيعمل الطبيب قدر جهده لإيقاف النزيف إذا حدث، وفي حالة توقف القلب سنعمل على تفعيله عن طريق الصدات الكهربائية. قلت له في هذه الحالة الأعمار بيد الله وهذا قدري ولا اعتراض على ذلك، لكن وماذا عن الجلطة قال إذا حدثت لا سمح الله فلا حول ولا قوة إلا بالله. والحق أنني خفت والتفت خلفي نحو الباب الموصد لعلني أهرب وأترك قلبي لقدر الله عز وجل، سألته أخيرا وما نسبة وقوع مثل هذه الحوادث قال بين 1 % إلى 2 % داهمتني الهواجس ربما أكون ضمن تلك النسبة المخيفة، لكن تمالكت واستعدت قواي وأبديت له شجاعة الشجعان وسألته: من سيتولى أمري لمح إلى جدوله قال الدكتور فلان أو فلان. قلت أنا أريد الدكتور جيهاني: قال أطباؤنا كلهم خير وبركة وهذان الطبيبان ماهران وشاطران قلت له: نصف العلاج يا دكتور الثقة بالمداوي فأنا ثقتي في الدكتور جيهاني عالية حتى لو قضيت بين يديه عقب بالقول باين عليك انك مثقف، سكت، وفعلا تحدد موعدي مع الدكتور جيهاني. (5) جاء اليوم الموعود بعد أن كتبت وصيتي من بعدي أودعتني زوجي أم حمد لجهة الاختصاص وودعتها كي تعود إلى عملها وأنا بين يدي أهل الطب. عملت كل الإجراءات اللازمة في غرفة خاصة بتحضير المرضى ونقلت إلى غرفة العمليات في صحبة ممرضة حسنى حمدت الله على مشياها إلى جانب السرير الذي جسدي ممدد عليه ويدفع السرير من الخلف عامل آسيوي أسمر حمدت الله أنني لا أراه ويكفيني تلك الحسناء إلى جواري. أودع جسدي إلى أيادي أخرى غير التي رافقتني سمعت صوتا من بعيد يناديني سلامات يا دكتور محمد ما تشوف شر، إنها ممرضة قطرية تعمل في الغرفة المجاورة لغرفة العمليات عرفتني بأنها إحدى طالباتي في الجامعة رافقت جسدي إلى غرفة العمليات المجاورة وهي متبسمة فرحة بعملها واثقة من خبرتها، ورأيت في تلك القاعة آلات ومعدات مخيفة وأطباء يروحون ويغدون وممرضات حسان سمر وبيض وصفر ورطانة تكاد لا تفهم منها حرفا واحدا والحق أن عقلي معلق بما قاله لي طبيب الاستقبال نقلت من سرير آخر بالكاد يسع جسدي قالت لي ممرضتي القطرية لا تتحرك كثيرا السرير ضيق، وراحت تُنشب الأسلاك " الوايرات " في كل أطرافي اليدين والرجلين والصدر والأجناب. بعد إعدادي جيدا دخل علينا الدكتور جيهاني متبسما بوجهه البشوش وكأنه أحد ملائكة الرحمة فألقى بالسلام باللغة العربية تبعها بلغة إنجليزية يحيي فريق العمل العاملين معه، شرح لي في لغة سهلة ومطمئنة عما سيفعل وهو يتحدث معي كان يجري عمليته في داخل جسدي وراح إلى قلبي يفتشه " حتة حتة " ويلفه عبر الشاشة ذات اليمين وذات اليسار. وأخيرا قال العملية انتهت وأنت بصحة جيدة وسوف أراك قريبا وودعني ليستقبل غيري من المكلومين. (6)  أُخرجت من غرفة العمليات إلى غرفة أخرى لتضميد الجراح وإخراج الأنابيب التي وضعت في جسدي، سمعت رئيسة الممرضين تقول للممرض اضغط على الوريد كي لا يحدث نزيف امسح الدم الخارج من الجرح بسرعة اضغط بقوة إلى أسفل، مازال الدم يخرج، تذكرت ما قاله الطبيب الأول عن أنه قد يحدث نزيف، أصابني الخوف لكن سرعان ما تولت الرئيسة الأمر وانتهى الأمر بسلام.  في غرفة الإقامة القصيرة فريق من الممرضات الماهرات بينهن شابة قطرية تتمتع بخلق ومهنية عالية تشرح لكل مريض حالته وتتلمس متاعبه وأناته إنها حقا مثال يحتذى به في عملية التمريض.  آخر القول: قبل خروجي من المستشفى أعطتني الممرضة القطرية لائحة التعليمات الواجب اتباعها مكتوبة بلغة إنجليزية، طلبت النسخة العربية أفادتني بأنها لا تعرف إن كانت هذه التعليمات مترجمة أم لا، لكنها أعطتني صفحة باللغة العربية لا تشبه تلك الملونة. والسؤال هل عجزت ميزانية مستشفى القلب عن ترجمة تلك التعليمات بصورها الأنيقة الملونة لتعطيها المريض عند خروجه؟  المهم شكرا لكل العاملين في هذا المستشفى وغاية الشكر والتقدير للدكتور جيهاني.