08 نوفمبر 2025
تسجيلإذا تذكرنا الفرحة بالطاعات الكثيرة في رمضان، وأصابنا الحزن لتراجع هذه الشعائر التعبدية والروح الإيمانية، وعدنا أمام أنفسنا نذكرها بحقيقة الدنيا كمتاع الغرور المؤقت، ودار لهو ولعب وزينة، وأن الآخرة هي دار القرار وهي الحياة الدائمة، وهي خير للمؤمن من الدنيا، وأن حظه مع الإحسان في الدنيا أوفر وأكبر في الدار الآخرة حيث لا تعب ولا كبد، ولا غل ولا حسد، ولا شحناء ولا بغضاء، ولا حر ولا قر، فإن المسلم لا يسعه في هذه الصراحة مع النفس إلا أن يسعى إلى تثبيت عباداته في يومه وليله حتى تكون جزءاً من كيانه، ونمطاً من خصاله، وعلماً على شخصيته، وعلامة على صدق إيمانه. لذا أرجو أن نسأل أنفسنا مرة أخرى:1. هل تذوقنا في رمضان حلاوة الصلاة في المسجد أم كانت عادة اجتماعية، وفورة نفسية؟2. هل تذوقنا في رمضان حلاوة الصيام في خفة الجسد وشفافية القلب، ورقي الخلق، وصفاء العقل؟ أم ظل الجسد كثيفاً والعقل عنيفاً والقلب سقيماً؟3. هل لامسَت شغاف قلوبنا حلاوة البذل في رمضان، وكفاية المساكين وإدخال البسمة على الأيتام والمحتاجين؟ أم غفلنا عن هذه البسمة الرقيقة على وجوه الفقراء المدقعين؟4. هل أحببنا القرآن تلاوة ونداوة، تفكراً وتدبراً، تفسيراً وتأثيراً، تعليماً وتغييراً، فصار القرآن مانعاً لنا من النوم حتى تملأ نياط القلب وحبات العقل بلآلئ القرآن، ونفائس كلمات الرحمن؟ أم نامت العيون والعقول والقلوب عن الذكر الحكيم؟5. هل كان ذكرنا لربنا تعبيراً عن حب عميق، ورباط وثيق، وفكر دقيق، وشعور بالعجز عن إدراك النعيم، وشكر المنعم، فيكون الذكر نوعاً من الشكر، أم حملنا قلوبا قاسية، وألسنة جافة عن ذكر ربنا وشكره على نعمه وآلائه التي لا تحصى.إذا صدقنا ربنا في الإجابة على هذه الأسئلة فسوف نختار تلقائياً أن نضاعف ثوابت الآخرة بعد رمضان لأن من ذاق عرف، ومن حُرم انحرف.من استروح في المسجد لا يحب بقعة على الأرض مثله، من كان القرآن ربيع قلبه لن يعصف بثماره رياح الصيف أو سيول الشتاء، ومن تنسم عبير الذكر لم ينس في ليل ولا نهار معايشة الأذكار بقلب مدرار في حب الغفار سبحانه وتعالى، فمن استلت ركعات الليل وسجدات السحر همومه وأحزانه، وأبدلته أفراح الإيمان أن يعدو كل ليلة يذوق من نسمات الليل في صفوف القانتين المخبتين، ثوابت قد لا يشبع منها الربانيون السالكون إلى الله تعالى طريقهم، فهم ينهلون من أبواب الخير لنفع أنفسهم والغير لعل لحظة الموت تدركهم وهم يجدّون السير إلى رب العزة سبحانه وتعالى، وهذه بعض النصائح العملية لزيادة ثوابت الإيمان في حياة الإنسان الذي وهب حياته للرحمن، يسعى لرضاه وسكن الجنان، مع النبي (العدنان، وصحبه وآل بيته وأهل الإيمان:الخطوة الأولى: العلم: مما لاشك فيه أن طلب العلم يرفع الإنسان إلى أعلى الدرجات، ويلحقه بالملائكة الشهود على الوحدانية، وهو أول باب لمعرفة الرحمن، وفهم رسالة الإسلام، ومعرفة مداخل الشيطان.الخطوة الثانية: مجاهدة النفس: إذا كان العلم يزيل الشبهات، فإن المجاهدة للنفس هي التي تعالج الشهوات، ومجاهدة النفس لكبح جماحها وامتلاك زمامها، وحملها على ما يرضي ربها، وتصفية كدرها، وتنقية فطرتها، ولذا كان الأمر الرباني لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه بالقيام بالليل والذكر الدائم بالنهار، وهو أمر يحتاج إلى رياضة نفسية وعزيمة إيمانية، وهمة أخلاقية، وإرادة قوية، قال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " (العنكبوت: ٦٩).هذا ما نرجو أن نعاهد الله عليه، لا رقيب ولا حسيب إلا هو، ونحن مجرد أذلاء عليه سبحانه نأخذ بيد عباد الله (الذين نحبهم) إلى رب العباد الذي يذوب القلب شوقاً إلى لقائه، أبراراً غير خزايا ولا مضيعين لأمانة.