15 نوفمبر 2025
تسجيلارتفعت في الآونة الأخيرة في تركيا سيناريوهات متعددة لاحتمالات تدخل عسكري في سوريا. وزاد من جدية هذه التسريبات أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قد رفع أيضا منسوب الانتقاد لسوريا عندما أعلن أن الصبر التركي قد بلغ لحظاته الأخيرة مستعينا بالأمثال العربية والشعر التركي للتشهير بالنظام السوري وطريقة تعاطيه مع الاحتجاجات الداخلية. بل إن الصحف التركية نفسها ذكرت أن اجتماعين أمنيين وسياسيين رفيعي المستوى برئاسة أردوغان قد ناقشا المسألة السورية ومنها الاستعدادات العسكرية التركية على الحدود مع سوريا تحسبا لأي تطورات. ومع أن زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق أعطت في الظاهر "نفسا" حدده اردوغان بأسبوعين فإن الحديث عن احتمالات تدخل عسكري تركي يتناقض مع صورة تركيا التي سعت إليها في السنوات الأخيرة حول تصفير المشكلات وإقامة علاقات جيدة مع جيرانها. وبما أنه ليس في السياسات أمر دائم وخالد فإن الثورات العربية قد أربكت السياسات التركية من ليبيا إلى البحرين وصولا إلى سوريا. وبالتالي كانت السياسة الخارجية التركية أمام استحقاق إعادة النظر بمجمل سياساتها السابقة التي انتقلت من سياسة تصفير المشكلات إلى سياسات تخلو من الثقة ليس مع طرف عربي بعينه بل مع معظم الدول العربية. لكن الأخطر على تركيا أن تفكر بسياسات عمودها الفقري الاستعداد لتدخلات عسكرية في الدولة الجنوبية المجاورة لها أي سوريا في تطور أن حصل سيكون الأول من نوعه منذ الحرب العالمية الأولى خصوصا أننا أمام الذكرى المئوية لهذه الحرب المشؤومة وللطلاق التركي العربي. ويعيد البعض التذكير أن التهديد بتدخل عسكري تركي في سوريا ليس الأول في التاريخ الحديث بل سبقه محاولات في الخمسينيات لمنع تحول سوريا إلى المعسكر السوفيتي وبعد إقامة الوحدة بين مصر وسوريا عندما كانت تركيا جزءا لا يتجزأ من المنظومة العسكرية الأطلسية والغربية وطرفا ضد حركات التحرر العربية. والمحاولة الأخيرة للجوء إلى القوة العسكرية كانت في خريف 1998 عندما هدد رئيس الجمهورية التركية سليمان ديميريل وقادة قواته المسلحة باختراق سوريا من شمالها إلى جنوبها إذا لم يطرد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من الأراضي السورية. وحينها انتهت الأزمة إلى إخراج أوجلان من سوريا ليعتقل لاحقا في عملية شارك فيها الموساد الإسرائيلي والسي آي إيه في كينيا وهو الآن يقبع في أحد سجون جزيرة ايمرالي في مرمرة. لقد رفضت تركيا في العام 2003 المشاركة في غزو العراق بسبب رفض البرلمان التركي مذكرة الحكومة بهذا الصدد وبالتالي فإن الرغبة في التدخل والمشاركة لم يكن يعارضها اردوغان ولا قادة حزبه حينها لكنها سقطت في البرلمان. وتركيا عادت ووافقت في خريف 2003 على إرسال قوات إلى العراق لكن الأمريكيين رفضوا استقبالهم. وتركيا شاركت ولا تزال في قوات حلف الأطلسي في أفغانستان رغم أنها ليست بقرار دولي عن الأمم المتحدة. كما شاركت بعمليات عسكرية في كوسوفا واليوم تشارك بعمليات أطلسية في ليبيا رغم أنه لا يوجد قرار دولي باستخدام القوة المسلحة لخلع القذافي. لذلك فإن "مبدأ" التدخل العسكري في الشؤون الخارجية قائم في السياسة الخارجية التركية ولا علاقة له بطبيعة السلطة السياسية علمانية أم إسلامية. واليوم تواجه تركيا تحديات خطيرة في حال إبداء استعدادها للتدخل في سوريا، إذ إنه لا يوجد أي قرار لمجلس الأمن الدولي، كما لا يوجد بعد أي قرار في إطار حلف شمال الأطلسي علما أن قرارا أطلسيا يوجب اتخاذه بالإجماع وتركيا إن لم تكن موافقة عليه فلا يمكن له أن يبصر النور. لذلك فإن السياسة الخارجية التركية أمام منعطف في أزمة تطال بلدا مجاورا ومهما لها مثل سوريا. وإذا كانت ثورة الشريف حسين ضد الحكم العثماني لا تزال تجرجر في الذاكرة التركية تداعيات وجراحا حتى الآن فإن نكأ الجراح مهما كانت الذرائع سيكون عملا غير عاقل بكل المقاييس في ظل وجود ألف وسيلة ووسيلة لتجسيد ما يرونه مناسبا وفي مصلحة الشعب السوري.